ذكريات الصِّبا

الترويض


لا شيء يصعب على الإنسان..فهاهو قد صعد إلى القمر..
و جال فيه و عرف خباياه...
و ها هو قد سبر أغوار المحيطات..و استخرج اللؤلؤ والمرجان و الياقوت و أشياء عجيبة..
و استطاع التعود على كل الظروف ..
استطاع صنع أسلحة كثيرة ..و آلات عديدة..
بنى الأهرامات...
استنسخ من الشيء شبيها له..
دمر..
هدم.

لا شيء يصعب على الإنسان..

استطاع ترويض الكثير من الحيوانات الضخمة الشرسة والبرية..
ففتى هندي صغير من أحلى هواياته ركوب فيل ضخم جدا..
و صيني صغير تراه يداعب أفعى عملاقة..
و إفريقي في المهد يعشق مراقصة النمور والأسود..



أما أنا..
عجزت عن ترويض قمر يضحك..
و يرقص..و يغني ..و يلعب..و يشرب الماء..
قمر أبيض اللون..له ريح مسك و عنبر و ياسمين..
محياه شهد..
و نور يغطى الجبين..
ريقه عذب..
و فراشات تطير حول العينين..
قداسة تلفها...
و هيبة و وقار و ثقل و جمال يزيد كل يوم...
و حلاوة و شقاوة ..
و أمل يرافقها على مرِّ السنين..
إن ضحك..ضحك له قلبي..
و إن غضب رجف من غضبه قلبي..
في كل مرة أقابله فيها..
أخر ساقطا مغشيا عليَّ
لم أستطع ترويضه..
جربت الكثير من الأمور...دون جدوى..
لا أستطيع التعامل معه..
لأنه متجدد..متطور..و دائم التغيير..
و رغم كل هذا ..
عندما أحكي له الشعر تراه يتمايل..
و يتبختر..
و كنت أستطيع أن أنقضَّ عليه في هذه اللحظات..
و لكنني ما تعودت الغدر..
أحكي له الشعر..
و أفرح لفرحه..
و أطرب لطربه..
و أرقص على إيقاعه..
و هذا ما أريده..
أن لا تفارق الابتسامة محياه..
عرفت الحل و هو قول الشعر..
فلن أملَّ يوما و أنا أقرأ له الشعر..وهو نائم..بين أحضاني..
فكل همي أن يكون فرحا..

غفرت لي مذ قلت مرحبا


حدث أمر جلل بيني و بينها,و تركتها تخرج باكية..
تذرف الأدمعا
كنت قاسيا معها بعض الشيء,غضبت,و أبكيت ملاكي
ما أحلاها و هي تبكي..ما أحلاها و هي تضع يديها على خديها..
عيناها كانتا تبرقان مثل بحر ألماس جميل
لا أحب أن أراها باكية و لكنها جميلة حقا عندما تبكي..
فنصف الحروف تختفي عندما تتكلم..
و عيناها تغرقان بالدموع الذهبية الغالية على قلبي
و تصير ترتجف
فكرت ..ما أفعل؟؟و ما الحل؟؟
و أنا أعرف أنها لن تقبل أي اعتذار في الوقت الحالي..
ذهبت إليها وقلت لها: إنني ذاهب..
و ما ودعتني و ما نظرت إلي..
لبست معطفي و ارتديت وشاحي
و صرت أمشي في الطرقات
أراها أمامي و إلى جانبي
أراها في مرايا السيارات
و لافتات المحلات
كنت أمشي و أفكر كيف سأراضيها؟
هي تحب أن أظل وراءها حتى ترضى عني..و أنا أحبها..
هي تحب أن أتوسل حتى تصفح عني و أنا أعشقها..
تعبت من المشي ..و ذهبت و اشتريت باقة من الورد..
هي تحب الزنبق و الورد الجوري و الغاردينيا
و أنا أحبها..
و تحب قطع الشوكولا الصغيرة التي تذوب في فمها و تذوبني معها
و صلت البيت و كلي شوق إليها
دخلت غرفتها
و قلت:مرحبا
و كأن شيئا لم يكن
رمقتني بنظرات كلها حب و حنان
ركضت إليها و ركعت
أمسكت يديها و قلت لها:أحبك
أفلتت يديها مني فرجعت و تمسكت بها
و قلت لها:أحبك
و دار بيني و بينها حوار طويل
بدأته بحب
و أنهيته بحب
قالت لي:قم حبيبي فقد غفرت لك مذ قلت مرحبا
وقفت و حضنتها و كأنني أحضنها للمرة الأولى
دافئة كانت جميلة كعادتها
و رائحتها شهية
قبلتها مرة و اثنتين و ....
قدمت لها الورود
فقالت:لا أريد ورودا حبيبي أريد أنت فقط أنت...
انتزعت وردة من الباقة و شككتها في شعرها
فما كان إلا أن تاه الورد في جمالها
دافئة كانت تنبض حنينا و غراما
دافئة كانت في ليلة من ليال كانون
حضنتها قبلتها و قلت لها:أحبك

أنا و الياسمين و وجه حبيبي

كل يوم أجلس في حديقتي..حيث ندىً طيب المذاق..عذب..يداعب شفتي..فيرويني..
و شجرة ياسمين..
أشرب قهوتي..و أتصفح جريدتي..
و أقبل الياسمين..
وعندما أنتهي أمسك قلمي العنيد..
و آخذ دور فنان عتيد..و أهم برسمها..
و حتى هذه اللحظة لم تنته مهمتي..
فإذا تعبت راقصت الياسمين..
و كانت تهوى رقصاتي..و تحفظ كل حركاتي
و كنت أبوح لها بأسراري..
فأنا ضعيف أمامها..لا يصيبني شيء إلا و أحكي لها..
أحب الياسمين الذي يلف حديقتي..
كل يوم على هذا المنوال..فلا أكل و لا أتعب..
أتصفح جريدتي..و أشرب قهوتي..
و هي سارحة في خيالي..
أراها في كل مكان أكون فيه..هنا..هناك..و على صفحات جريدتي
أخذت عقلي مني..و سلبتني تفكيري..و ملأت دنيتي..
كل يوم أشتري جريدة.
و في كل مرة تكون صورتها أجمل و أبهى..
تضحك لي القاسية و تتعجب عندما أنعتها بالقاسية..
ليست كباقي النساء..
جميلة,ذكية,فاتنة,مثالية..
أحبك أيتها القاسية ولا تعجبي..
فقد تمر ليال دون أن تسمعيني فيها صوتك الشجي الرقيق..
و تمر أيام دون أن تريني عينيك..
تتراءى لي في أوراق و زهور الياسمين..
فأضم الياسمين الذي يحتضن حبيبتي..و أقبله..فأقبلها..
تأتيني كحلم وردي اللون ..تضمني..فتريح أعصابي...
تضاحكني..تداعبني..تتلمس جبيني..تحضنني ..فتزيل همي..
تتراءى لي في حبيبات الندى العطرة..فأرشفها..
و تخرج من بين طيات الجريدة كملاك ..الشهية..
تعزف على أوتار الياسمين أجمل الألحان..و أعذبها..
تغني لها حروفي و كلماتي..
ملاك مجبول بالطيبة و الخير و الرقة و الحنان..
أحبك أيها الملاك..
تسابق الفراشات من زهرة إلى زهرة..طلبا للرحيق المنعش..
تزيد قهوتي حلاوة برضابها..
تدندن لي ..تغازلني..ترفع حرارتي..بقبلاتها..
أخاف عليها و أغار عليها و بروحي احميها..
أراها في فنجان القهوة تسبح كغجرية ترقص طربا..
تتمايل حاملة عود ريحان..
تزورني و نور إلهي يصحبها..
تزورني و العطر الشهي يسبقها..
فيستعد حضني لاستقبالها..
لا وقت أضيعه عندما أكون معها ..
تتراءى لي بحبات العنب المخملية..و تتدلى من بين أوراق التفاح الشقية..
تناديني..حبيبي..عمري..روحي..
و تفر نحو شجيرات البرتقال..
تختبئ خلف أكاليل الغار..و تتقمص روح صغار الأطفال..
أركض خلفها ضاحكا لضحكاتها..فاتحا يدي لأضمها ..إنني أحبها..
أراها في رذاذ المطر ..
تنهمر على صدري ..باردة منعشة..رطبة..لذيذة..
إنني أحبها..

أنا و الياسمين و وجه حبيبي