تخت شرقي حالة درامية تجريبية تضع الفرد أمام مرآة الذات

يطرح مسلسل تخت شرقي الذي تعرضه عدة فضائيات عربية خلال شهر رمضان المبارك أساليب تجريبية متعددة في الدراما من خلال تقديم نماذج جديدة في العمل التلفزيوني والرهان عليها في نجاح المسلسل سواء من خلال الأسلوب الإخراجي الذي تتبعه مخرجة العمل رشا هشام شربتجي أو من خلال اعتماد النص على الحوارات المتلاحقة بدلا من القصة المترابطة وتكثيف أداء الممثلين بشكل متصاعد بين حوار وآخر وحتى من خلال الشارة التي تعتمد أسلوبا جديدا أيضا لم نعتد عليه.

يلامس المسلسل الواقع بشكل مباشر وحيوي جدا بحيث لا يعتمد أبدا على قصة واحدة يتبع فيها منهجا حكائيا ليقدمها بشكل ممتع للمشاهد وإنما يحاول صياغة شخصيات كثيرة من الواقع ووضعها أمام الكاميرا لتتحاور فيما بينها بأساليب بسيطة جدا ومقاربة للحقيقة إلى حد كبير وبلغة الحياة اليومية لتناقش مواضيع وتفاصيل تعبر عن قضايا اجتماعية عامة .

ولايقتصر الرصد المتلاحق في تخت شرقي على تصوير سير شخصية لأفراد يشبهوننا إلى حد كبير بل يناقش أيضا بنية الأسرة من خلال عدة نماذج منطلقا من تغير الحياة في ظل الصخب القائم وانشغال الأفراد بقضاياهم الفردية وانعزالهم عما هو عام في المجتمع لتتكون من خلال هذه العلاقات أزمات اجتماعية كبرى تنعكس على الأفراد ذاتهم وبالتالي على المجتمع ككل.

ويضع المسلسل مرآة أمام كل فرد من أفراده لنلاحظ أن غالبية أبطال العمل يناقشون ممارساتهم الحياتية وحالة التناقض بين القيم التي يرفعون شعارها وبين ما يقومون به على صعيد الحياة في محاولة من كاتبة العمل يم مشهدي لرصد العالم الداخلي للشخصية فنجد الطبيب الفلسطيني الذي يقع في شرك التناقض من خلال علاقته بزميلته ذات الطباع الغربية والأب المتحرر الذي يراقب تحركات ابنته والمدرسة التي تغير أسلوب حياتها في محاولة للحصول على زوج المستقبل والمصورة التي ترتبط بشاب صغير في السن رغم إيمانها بأن هذه العلاقة غير طبيعية والأم التي تضرب كل التقاليد عرض الحائط من أجل علاقة حب غير متبدية المعالم وتنسحب هذه التناقضات على كل شخصيات العمل لنجد بعضهم دخل في طور المرض النفسي الحقيقي وكأن الكاتبة تعلن أن الذات المريضة في السياق الاجتماعي آيلة إلى التفسخ النفسي وسيمتد أثرها على المجتمع.

وينطلق العمل من نقاش الشخوص وحواراتهم إلى المؤسسات التي يعملون بها لنجد المدرسة الخاصة عبارة عن بؤرة فساد حيث تتحكم فيها العلاقات الشخصية ويسوسها الانحراف الذي يتوضح أثره بشكل جلي على الطلبة الذين فقدوا الارتباط بأي شيء عام ويتبدى ذلك من خلال نقاش الأستاذ معهم حول القضايا العامة التي يجهلونها تماما ومن جهة أخرى نرى المستشفى الذي يمارس فيه طلبة الطب تجاربهم من خلال المرضى لتصل إلى أخطاء طبية كبيرة.

لا يطرح العمل حلولا لشبكة المشكلات الاجتماعية المتفاقمة وإنما يقتصر على العمق في نقاش الفرد والمجتمع لنجد أن كل من في العمل لا يبحثون عن حلول نهائية بقدر ما يحاولون تجاوز يومهم بأقل قدر من الخسائر فـ يعرب قصي خولي يعتمد اللامبالاة في نسيان كل ما هو محيط به على الصعيد المادي والمعنوي وسعد محمد حداقي يعيش حياته بشكل يومي معتمدا على الحلول المؤقتة في أزمته إذ تركت له زوجته بنتا صغيرة ليقوم بالاعتناء بها وكذا أماني أمل عرفة التي لا تكترث بالنتائج التي ستصل إليها إثر علاقتها بطبيبها سلوم حداد وهكذا نرى كل الشخصيات تهبط تدريجيا فالانهيار في النهاية هو مستقبل هذه الأفراد.

هذا العمل هو الشراكة الثانية بين المخرجة والكاتبة بعد عملهما الأول يوم ممطر آخر والذي لا يبتعد عن تخت شرقي كثيرا في طروحاته وأجوائه.

بجد الدراما السورية مالها منافس