EYE'S LOVE CLUB
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» 1000000 مشاركة
مقامات الحريري Icons35الثلاثاء نوفمبر 23, 2021 4:41 pm من طرف المتيم

» اكسسوارات للعروس
مقامات الحريري Icons35الثلاثاء مايو 28, 2013 12:11 am من طرف لوليتا

»  أعرفي شخصيتك من وزنك
مقامات الحريري Icons35الإثنين مايو 27, 2013 11:56 pm من طرف لوليتا

» سجل حضورك بالصلاة على المصطفى..
مقامات الحريري Icons35الإثنين مايو 27, 2013 11:52 pm من طرف لوليتا

» صور الممثلة المكسيكية maite perroni
مقامات الحريري Icons35الإثنين مايو 27, 2013 10:38 pm من طرف المتيم

» أحذية أطفال
مقامات الحريري Icons35الإثنين مايو 27, 2013 10:34 pm من طرف المتيم

» أسرع حيوان.. مهدّد بالإنقراض
مقامات الحريري Icons35الإثنين مايو 27, 2013 10:33 pm من طرف المتيم

» عطر فرزاتشي للرجال
مقامات الحريري Icons35الإثنين مايو 27, 2013 10:00 pm من طرف لوليتا

» تسريحات 2014
مقامات الحريري Icons35الإثنين مايو 27, 2013 9:56 pm من طرف لوليتا


مقامات الحريري

اذهب الى الأسفل

مقامات الحريري Empty مقامات الحريري

مُساهمة من طرف المتيم الإثنين أبريل 12, 2010 11:56 am

المقامة هي حكاية تقال في مقام معين وتشتمل على الكثير من درر اللغة وفرائد الأدب، والحكم والأمثال والأشعار النادرة التي تدل على سعة إطلاع وعلو مقام على طريقة السجع وهذا الكتاب يحتوي على مقامات أدبية بلغت خمسين مقامة لأهم من اشتهر بهذا الفن أبي محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري البصري

المقامة الصنعانية

حدّثَ الحارثُ بنُ هَمّامٍ قالَ: لمّا اقتَعدْتُ غارِبَ الاغتِرابِ. وأنْأتْني المَترَبَةُ عنِ الأتْرابِ. طوّحَتْ بي طَوائِحُ الزّمَنِ. الى صنْعاء اليَمَنِ. فدَخَلْتُها خاويَ الوِفاضِ. باديَ الإنْفاضِ. لا أمْلِكُ بُلْغَةً. ولا أجِدُ في جِرابي مُضْغَةً. فطَفِقْتُ أجوبُ طُرُقاتِها مِثلَ الهائِمِ. وأجولُ في حَوْماتِها جَوَلانَ الحائِمِ. وأرُودُ في مَسارحِ لمَحاتي. ومَسايِحِ غدَواتي ورَوْحاتي. كريماً أُخْلِقُ لهُ ديباجَتي. وأبوحُ إلَيْهِ بحاجتي. أو أديباً تُفَرّجُ رؤيَتُه غُمّتي. وتُرْوي رِوايتُه غُلّتي. حتى أدّتْني خاتِمَةُ المَطافِ. وهدَتْني فاتِحةُ الألْطافِ. الى نادٍ رَحيبٍ. مُحتَوٍ على زِحامٍ ونَحيبٍ. فوَلَجْتُ غابةَ الجمْعِ. لأسْبُرَ مَجْلَبَةَ الدّمْعِ. فرأيتُ في بُهْرَةِ الحَلْقَةِ. شخْصاً شخْتَ الخِلْقَةِ. عليْهِ أُهْبَةُ السّياحَةِ. وله رنّةُ النِّياحَةِ. وهوَ يطْبَعُ الأسْجاعَ بجواهِرِ لفظِهِ. ويقْرَعُ الأسْماعَ بزَواجِرِ وعْظِهِ. وقدْ أحاطَتْ بهِ أخلاطُ الزُّمَرِ. إحاطَةَ الهالَةِ بالقَمَرِ. والأكْمامِ بالثّمرِ. فدَلَفْتُ إليهِ لأقْتَبِسَ من فوائِدِه. وألْتَقِطَ بعْضَ فرائِدِه. فسمِعْتُهُ يقولُ حينَ خبّ في مجالِه. وهَدَرَتْ شَقاشِقُ ارتِجالِه. أيّها السّادِرُ في غُلَوائِهِ. السّادِلُ ثوْبَ خُيَلائِهِ. الجامِحُ في جَهالاتِهِ. الجانِحُ الى خُزَعْبِلاتِه. إلامَ تسْتَمرُّ على غَيّكَ. وتَستَمْرئُ مرْعَى بغْيِكَ? وحَتّامَ تتَناهَى في زهوِكَ. ولا تَنْتَهي عن لَهوِكَ? تُبارِزُ بمَعصِيَتِكَ. مالِكَ ناصِيَتِكَ! وتجْتَرِئُ بقُبْحِ سيرَتِك. على عالِمِ سَريرَتِكَ! وتَتَوارَى عَن قَريبِكَ. وأنتَ بمَرْأى رَقيبِكَ! وتَستَخْفي مِن ممْلوكِكَ وما تَخْفى خافِيَةٌ على مَليكِكَ! أتَظُنُّ أنْ ستَنْفَعُكَ حالُكَ. إذا آنَ ارتِحالُكَ? أو يُنْقِذُكَ مالُكَ. حينَ توبِقُكَ أعمالُكَ? أو يُغْني عنْكَ ندَمُكَ. إذا زلّتْ قدَمُكَ? أو يعْطِفُ عليْكَ معشَرُكَ. يومَ يضُمّكَ مَحْشَرُكَ? هلاّ انتَهَجْتَ مَحَجّةَ اهتِدائِكَ. وعجّلْتَ مُعالجَةَ دائِكَ. وفَلَلْتَ شَباةَ اعتِدائِكَ. وقدَعْتَ نفْسَكَ فهِيَ أكبرُ أعدائِكَ? أما الحِمام ميعادُكَ. فما إعدادُكَ? وبالمَشيبِ إنذارُكَ. فما أعذارُكَ? وفي اللّحْدِ مَقيلُكَ. فما قِيلُكَ? وإلى اللّه مَصيرُكَ. فمَن نصيرُكَ? طالما أيْقَظَكَ الدّهرُ فتَناعَسْتَ. وجذَبَكَ الوعْظُ فتَقاعَسْتَ! وتجلّتْ لكَ العِبَرُ فتَعامَيْتَ. وحَصْحَصَ لكَ الحقُّ فتمارَيْتَ. وأذْكَرَكَ الموتُ فتَناسَيتَ. وأمكنَكَ أنْ تُؤاسِي فما آسيْتَ! تُؤثِرُ فِلساً توعِيهِ. على ذِكْرٍ تَعيهِ. وتَختارُ قَصْراً تُعْليهِ. على بِرٍ تُولِيهِ. وتَرْغَبُ عَنْ هادٍ تَسْتَهْدِيهِ. الى زادٍ تَستَهْديهِ. وتُغلِّبُ حُبّ ثوبٍ تشْتَهيهِ. على ثوابٍ تشْتَريهِ. يَواقيتُ الصِّلاتِ. أعْلَقُ بقَلبِكَ منْ مَواقيتِ الصّلاةِ. ومُغالاةُ الصَّدُقاتِ. آثَرُ عندَكَ من مُوالاةِ الصَّدَقاتِ. وصِحافُ الألْوانِ. أشْهى إلَيْكَ منْ صَحائِفِ الأدْيانِ. ودُعابَةُ الأقْرانِ. آنَسُ لكَ منْ تِلاوَةِ القُرْآنِ! تأمُرُ بالعُرْفِ وتَنتَهِكُ حِماهُ. وتَحْمي عنِ النُّكْرِ ولا تَتحاماهُ! وتُزحزِحُ عنِ الظُلْمِ ثمْ تغْشاهُ. وتخْشَى الناسَ واللهُ أحقُّ أنْ تخْشاهُ! ثمّ أنْشَدَ:
تباً لطالِـبِ دُنْـيا ثَنى إلَيها انصِبابَهْ
ما يسْتَفيقُ غَراماً بها وفَرْطَ صَبابَهْ
ولوْ دَرى لَكفَـاهُ مما يَرومُ صُبابَهْ

ثمّ إنّهُ لبّدَ عَجاجَتَهُ. وغيّضَ مُجاجتَهُ. واعْتَضَدَ شكْوَتَهُ. وتأبّطَ هِراوَتَهُ. فلمّا رنَتِ الجَماعَةُ الى تحفُّزِهِ. ورأتْ تأهُّبَهُ لمُزايَلَةِ مركَزِهِ. أدْخَلَ كلٌ منهُمْ يدَهُ في جيْبِهِ. فأفْعَمَ لهُ سَجْلاً منْ سَيْبِه. وقال: اصْرِفْ هَذا في نفقَتِكَ. أو فرّقْهُ على رُفْقَتِكَ. فقبِلَهُ منهُم مُغضِياً. وانْثَنى عنْهُم مُثْنِياً. وجعَلَ يودِّعُ مَنْ يُشيّعُهُ. ليَخْفَى علَيْهِ مَهْيَعُهُ. ويُسرّبُ منْ يتْبَعُهُ. لكَيْ يُجْهَلَ مرْبَعُهُ. قال الحارِثُ بنُ هَمّامٍ: فاتّبعْتُهُ مُوارِياً عنْهُ عِياني. وقَفوْتُ أثرَهُ منْ حيثُ لا يَراني. حتّى انْتَهى الى مَغارَةٍ. فانْسابَ فيها على غَرارَةٍ. فأمْهَلْتُه ريثَما خلَعَ نعْلَيْهِ. وغسَل رِجلَيْهِ. ثمّ هجَمْتُ علَيهِ. فوجدتُهُ مُشافِناً لتِلْميذٍ. على خبْزِ سَميذٍ. وجَدْيٍ حَنيذٍ. وقُبالَتَهُما خابيةُ نبيذٍ. فقلتُ لهُ: يا هذا أيَكونُ ذاكَ خبرَكَ. وهذا مَخْبَرَكَ? فزَفَرَ زفْرَةَ القَيْظِ. وكادَ يتميّزُ منَ الغيْظِ. ولمْ يزَلْ يحَمْلِقُ إليّ. حتّى خِفْتُ أن يسطُوَ عليّ. فلمّا أن خبَتْ نارُهُ. وتَوارَى أُوارُهُ. أنْشَد:
لبِسْتُ الخَميصةَ أبغي الخَبيصَـهْ وأنْشَبْتُ شِصّيَ في كل شِيصَـه
وصيّرتُ وعْـظـيَ أُحـبـولَةً أُريغُ القَنيصَ بها والقَـنـيصَـه
وألْجأني الدّهْرُ حتـى ولَـجْـتُ بلُطْفِ احتِيالي على اللّيثِ عيصَه
على أنّني لـم أهَـبْ صـرفَـهُ ولا نبَضَتْ لي مِنْـهُ فَـريصَـه
ولا شرَعت بي عـلـى مَـورِدٍ يُدنّسُ عِرضيَ نفْسٌ حَـريصَـه
ولو أنْصَفَ الدّهرُ في حُكـمِـهِ لَما ملّكَ الحُكْمَ أهلَ النّقـيصَـه
ثمّ قال ليَ: ادْنُ فكُلْ. وإنْ شِئْتَ فقُم وقُلْ. فالتَفَتّ الى تِلميذِه وقُلتُ: عزَمْتُ عليْكَ بمَن تستَدفِعُ بهِ الأذى. لتُخْبرَنّي مَنْ ذا. فقال: هذا أبو زيْدٍ السَّروجيُّ سِراجُ الغُرَباء. وتاجُ الأدَباء. فانصرَفْتُ من حيثُ أتيتُ. وقضَيْتُ العجَبَ ممّا رأيْتُ.
المتيم
المتيم
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 10135
نقاط : 39783
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 37
الموقع : عيون من أحب

https://eyesloveclub.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقامات الحريري Empty المقامة الحُلوانيّة

مُساهمة من طرف المتيم الأربعاء أبريل 14, 2010 2:48 pm

المقامة الحُلوانيّة
حَكى الحارِثُ بنُ هَمّامٍ قال: كلِفْتُ مُذْ ميطَتْ عني التّمائِمُ. ونِيطَتْ بيَ العَمائِمُ. بأنْ أغْشى مَعانَ الأدَبِ. وأُنضيَ إليْهِ رِكابَ الطّلَبِ. لأعْلَقَ منْهُ بِما يكونُ لي زينَةً بينَ الأنامِ. ومُزنَةً عندَ الأُوامِ. وكُنْتُ لفَرْطِ اللّهَجِ باقْتِباسِه. والطّمَعِ في تقمّصِ لِباسِهِ. أُباحِثُ كلّ مَنْ جَلّ وقَلّ. وأسْتَسْقي الوَبْلَ والطّلّ. وأتعلّلُ بعَسى ولَعلّ. فلمّا حلَلْتُ حُلْوانَ. وقدْ بلَوْتُ الإخْوانَ. وسَبَرْتُ الأوْزانَ. وخبَرْتُ ما شانَ وَزانَ. ألفَيْتُ بها أبا زيْدٍ السَّروجيَّ يتقلّبُ في قوالبِ الانتِسابِ. ويخْبِطُ في أساليبِ الاكتِسابِ. فيدّعي تارَةً أنّهُ من آلِ ساسانَ. ويعْتَزي مرّةً الى أقْيالِ غسّانَ. ويبْرُزُ طَوراً في شِعارِ الشّعَراء. ويَلبَسُ حيناً كِبَرَ الكُبَراءِ. بيْدَ أنّهُ معَ تلوّنِ حالِهِ. وتبَيّنِ مُحالِهِ. يتحلّى برُواءٍ ورِوايَةٍ. ومُدراةٍ ودِرايَةٍ. وبَلاغَةٍ رائِعَةٍ. وبَديهةٍ مُطاوعةٍ. وآدابٍ بارِعةٍ. وقدَمٍ لأعْلامِ العُلومِ فارِعةٍ. فكانَ لمحاسِنِ آلاتِهِ. يُلْبَسُ على عِلاّتِه. ولِسَعَةِ رِوايَتِه. يُصْبى الى رؤيَتِهِ. ولخلابَةِ عارِضَتِهِ. يُرْغَبُ عنْ مُعارضَتِهِ. ولعُذوبَةِ إيرادِهِ. يُسْعَفُ بمُرادِهِ. فتعَلّقتُ بأهْدابِهِ. لخَصائِصِ آدابِهِ. ونافَسْتُ في مُصافاتِهِ. لنَفائِسِ صِفاتِه.
فكُنتُ بهِ أجْلو هُمومي وأجْتَلـي زمانيَ طلقَ الوجْهِ مُلتَمِعَ الضّيا
أرَى قُرْبَهُ قُرْبى ومَغْناهُ غُنْـيَةً ورؤيَتَهُ رِيّاً ومَحْياهُ لـي حَـيا

ولَبِثْنا على ذلِكَ بُرْهَةً. يُنْشئ لي كلَّ يومٍ نُزهَةً. ويدْرَأُ عن قلبي شُبهَةً. الى أنْ جدَحَتْ لهُ يَدُ الإمْلاقِ. كأس الفِراقِ. وأغْراهُ عدَمُ العُراقِ. بتَطْليقِ العِراقِ. ولفَظَتْهُ مَعاوِزُ الإرْفاقِ. الى مَفاوِزِ الآفاقِ. ونظَمَهُ في سِلْكِ الرّفاقِ. خُفوقُ رايةِ الإخْفاقِ. فشحَذَ للرّحْلَةِ غِرارَ عزْمَتِهِ. وظَعَنَ يقْتادُ القلْبَ بأزِمّتِهِ.
فما راقَني مَنْ لاقَني بعْدَ بُعْدِهِ ولا شاقَني مَنْ ساقني لوِصالِهِ
ولا لاحَ لي مُذْ ندّ نِدٌ لفَضْلِـهِ ولا ذو خِلالٍ حازَ مثلَ خِلالِهِ
واسْتَسَرّ عني حيناً. لا أعرِفُ لهُ عَريناً. ولا أجِدُ عنْهُ مُبيناً. فلمّا أُبْتُ منْ غُربَتي. الى منْبِتِ شُعْبَتي. حضَرْتُ دارَ كُتُبِها التي هيَ مُنتَدى المتأدّبينَ. ومُلتَقَى القاطِنينَ منهُمْ والمُتغرّبينَ. فدخَلَ ذو لِحْيَةٍ كثّةٍ. وهيئَةٍ رثّةٍ. فسلّمَ على الجُلاّسِ. وجلَسَ في أُخرَياتِ الناسِ. ثمّ أخذَ يُبْدي ما في وِطابِهِ. ويُعْجِبُ الحاضِرينَ بفصْلِ خِطابِهِ. فقال لمَنْ يَليه: ما الكِتابُ الذي تنظُرُ فيهِ? فقالَ: ديوانُ أبي عُبادةَ. المشْهودِ لهُ بالإجادَةِ. فقال: هلْ عثَرْتَ لهُ فيما لمحْتَهُ. على بَديعٍ استَملَحْتَهُ? قال: نعمْ قولُه:
كأنّما تبْسِمُ عن لُؤلُـؤٍ منضّدٍ أو برَدٍ أو أقاحْ
فإنّهُ أبدَعَ في التّشبيهِ. المُودَعِ فيهِ. فقالَ لهُ: يا لَلعجَبِ. ولَضَيْعَةِ الأدبِ! لقدِ استَسْمَنْتَ يا هَذا ذا ورَمٍ. ونَفَخْتَ في غيرِ ضرَمٍ! أينَ أنتَ منَ البيْتِ النّدْرِ. الجامِعِ مُشَبّهاتِ الثّغْرِ? وأنْشَد:
نفْسي الفِداءُ لثَغْرٍ راقَ مبسِمُـهُ وزانَهُ شنَبٌ ناهيكَ من شـنَـبِ
يفترُّ عن لُؤلُؤٍ رطْبٍ وعن بـرَدٍ وعن أقاحٍ وعن طلْعٍ وعن حبَبِ
فاستَجادَهُ مَنْ حضَر واسْتَحْلاهُ. واستَعادَهُ منْهُ واسْتمْلاهُ. وسُئِلَ: لمنْ هذا البيتُ. وهلْ حيٌ قائِلُهُ أو ميْتٌ? فقال: أيْمُ اللهِ لَلحَقُّ أحَقُّ أنْ يُتّبَعَ. ولَلصّدْقُ حَقيقٌ بأنْ يُستَمَعَ! إنّهُ يا قَوْمُ. لنَجيّكُمْ مُذُ اليوْمَ. قال: فكأنّ الجَماعَةَ ارْتابَتْ بعزْوَتِه. وأبَتْ تصْديقَ دعْوَته. فتوجّسَ ما هجَسَ في أفْكارِهِمْ. وفطِنَ لِما بَطَنَ مِنِ استِنْكارِهِمْ. وحاذَرَ أنْ يفْرُطَ إليْهِ ذمّ. أو يَلْحَقَهُ وصْمٌ. فقرأ: إنّ بعْضَ الظنّ إثْمٌ. ثم قال: يا رُواةَ القَريضِ. وأُساةَ القوْلِ المَريضِ. إنّ خُلاصَةَ الجوهَرِ تظهَرُ بالسّبْكِ. ويدَ الحقّ تصْدَعُ رِداءَ الشّكّ. وقدْ قيلَ فيما غبَرَ منَ الزّمانِ: عندَ الامتِحانِ. يُكرَمُ الرّجُلُ أو يُهانُ. وها أنا قدْ عرّضْتُ خبيئَتي للاخْتِبارِ. وعرَضْتُ حَقيبَتي على الاعْتِبارِ. فابْتَدَر. أحدُ مَنْ حضَرَ. وقال: أعرِفُ بيْتاً لمْ يُنسَجْ على مِنْوالِهِ. ولا سمَحَتْ قَريحةٌ بمِثالِهِ. فإنْ آثَرْتَ اختِلابَ القُلوبِ. فانْظِمْ على هذا الأسْلوبِ. وأنْشَدَ:
فأمطَرَتْ لؤلؤاً من نرْجِسٍ وسقَتْ ورْداً وعضّتْ على العُنّابِ بالبَرَدِ
فلم يكُنْ إلا كلَمْحِ البَصَرِ أو هُوَ أقرَبُ. حتى أنْشَدَ فأغْرَب:
سألتُها حينَ زارَتْ نَضْوَ بُرْقُعِها ال قاني وأيداعَ سمْعي أطيَبَ الخبَـرِ
فزَحزَحَتْ شفَقاً غشّى سَنا قـمَـرٍ وساقَطَتْ لُؤلؤاً من خاتَمٍ عطِـرِ
فحارَ الحاضِرونَ لبَداهَتِه. واعتَرَفوا بنَزاهَتِه. فلمّا آنَسَ استِئْناسَهُمْ بكَلامِهِ. وانصِبابَهُمْ الى شِعْبِ إكْرامِهِ. أطْرَقَ كطَرْفَةِ العَينِ. ثمّ قال: ودونَكُمْ بيتَينِ آخرَينِ. وأنشدَ:
وأقبَلَتْ يومَجدّ البينُ في حُلَـلٍ سودٍ تعَضُّ بَنانَ النّادِم الحَصِرِ
فلاحَ ليْلٌ على صُبْحٍ أقلّهُـمـا غُصْنٌ وضرّسَتِ البِلّورَ بالدَّرَرِ

فحينَئذٍ استَسْنى القوْمُ قيمَتَهُ. واستَغْزَروا ديمَتَهُ. وأجْمَلوا عِشْرَتَهُ. وجمّلوا قِشرَتَهُ. قال المُخْبِرُ بهَذِهِ الحِكايَةِ: فلمّا رأيتُ تلهُّبَ جذْوَتِهِ. وتألُّقَ جلْوَتِهِ. أمعَنْتُ النّظَرَ في توسُّمِهِ. وسرّحْتُ الطّرْفَ في ميسِمِهِ. فإذا هوَ شيخُنا السَّروجيّ. وقدْ أقْمَرَ ليلُه الدّجُوجيُّ. فهنّأتُ نفسي بمَورِدِهِ. وابتدَرْتُ اسْتِلام يدِهِ. وقلتُ لهُ: ما الذي أحالَ صفَتَكَ. حتى جهِلْتُ معرِفَتَكَ? وأيّ شيء شيّبَ لحيَتَكَ. حتى أنْكَرْتُ حِليَتَكَ? فأنشأ يقول:
وقْعُ الشّوائِبِ شـيّبْ والدّهرُ بالناسِ قُلَّـبْ
إنْ دانَ يوماً لشَخْـصٍ ففي غدٍ يتـغـلّـبْ
فلا تثِـقْ بـوَمـيضٍ منْ برْقِهِ فهْوَ خُلّـبْ
واصْبِرْ إذا هوَ أضْرى بكَ الخُطوبَ وألّـبْ
فما على التِّبْرِ عـارٌ في النّارِ حينَ يُقلَّـبْ
ثمّ نهضَ مُفارِقاً موضِعَهُ. ومُستَصْحِباً القُلوبَ معَهُ
المتيم
المتيم
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 10135
نقاط : 39783
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 37
الموقع : عيون من أحب

https://eyesloveclub.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقامات الحريري Empty المقامة الدينارية

مُساهمة من طرف المتيم السبت أبريل 17, 2010 2:41 am

المقامة الدّينارية
رَوى الحارثُ بنُ هَمّامٍ قال: نظَمَني وأخْداناً لي نادٍ. لمْ يخِبْ فيه مُنادٍ. ولا كَبا قدْحُ زِنادٍ. ولا ذكَتْ نارُ عِنادٍ. فبيْنَما نحنُ نتجاذَبُ أطْرافَ الأناشيدِ. ونَتوارَدُ طُرَفَ الأسانيدِ. إذْ وقَفَ بِنا شخْصٌ علَيْهِ سمَلٌ. وفي مِشيَتِهِ قزَلٌ. فقال: يا أخايِرَ الذّخائِرِ. وبشائِرَ العَشائِرِ. عِموا صَباحاً. وأنْعِموا اصطِباحاً. وانظُروا الى مَنْ كان ذا نَديّ ونَدًى. وجِدَةٍ وجَداً. وعَقارٍ وقُرًى. ومَقارٍ وقِرًى. فما زالَ بهِ قُطوبُ الخُطوبِ. وحُروبِ الكُروبِ. وشَرَرُ شرِّ الحَسودِ. وانْتِيابُ النّوَبِ السّودِ. حتى صفِرَتِ الرّاحَةُ. وقرِعَتِ الساحَةُ. وغارَ المنْبَعُ. ونَبا المَرْبَعُ. وأقْوى المجْمَعُ. وأقَضّ المضْجَعُ. واستَحالَتِ الحالُ. وأعْوَلَ العِيالُ. وخَلَتِ المَرابِطُ. ورَحِمَ الغابِطُ. وأودى النّاطِقُ والصّامِتُ. ورَثى لَنا الحاسِدُ والشّامِتُ. وآلَ بِنا الدّهرُ الموقِعُ. والفَقْرُ المُدْقِعُ. الى أنِ احْتَذيْنا الوَجى. واغْتذدَينا الشّجا. واستَبْطَنّا الجَوى. وطَوَيْنا الأحْشاءَ على الطّوى. واكْتَحَلْنا السُهادَ. واستَوطَنّا الوِهادَ. واستوطأن القتاد. وتناسينا الأقتاد، واستطبنا الحين المحتاج واستَبْطأنا اليومَ المُتاحَ. فهل من حُرٍّ آسٍ. أو سمْحٍ مُؤاسٍ? فوَالّذي استَخْرَجَني من قَيلَه. لقَد أمْسَيتُ أخا عَيْلَه. لا أمْلِكُ بيْتَ ليْلَه. قال الحارِثُ بنُ همّامٍ: فأوَيْتُ لمَفاقِرِه. ولوَطْتُ الى استِنْباطِ فِقَرِهِ. فأبْرَزتُ ديناراً. وقُلتُ لهُ اختِباراً: إنْ مدَحْتَهُ نَظْماً. فهوَ لكَ حتْماً. فانْبَرى يُنشِدُ في الحالِ. من غيرِ انتِحال:
أكْرِمْ بهِ أصفَرَ راقَتْ صُفرَتُهْ جوّابَ آفاقٍ ترامَتْ سَفرَتُـهْ
مأثورَةٌ سُمعَتُهُ وشُـهـرَتُـهْ قد أُودِعَتْ سِرَّ الغِنى أسرّتُـهْ
وقارَنَتْ نُجحَ المَساعي خطرَتُه وحُبِّبَتْ الى الأنـامِ غُـرّتُـهْ
كأنّما منَ القُلـوبِ نُـقْـرَتُـهْ بهِ يصولُ مَنْ حوَتْهُ صُرّتُـهْ
وإنْ تَفانَتْ أو توانَتْ عِتْـرَتُـهْ يا حبّذا نُضارُهُ ونَـضْـرَتُـهْ
وحبّذا مَغْناتُـهُ ونـصْـرَتُـهْ كمْ آمِرٍ بهِ استَتَبّتْ إمـرَتُـهْ
ومُتْرَفٍ لوْلاهُ دمَتْ حسْرَتُـهْ وجيْشِ همٍّ هزمَتْـهُ كـرّتُـهْ
وبدرِ تِمٍّ أنـزَلَـتْـهُ بـدْرَتُـهْ ومُستَشيطٍ تتلظّى جمْـرَتُـهْ
أسَرّ نجْواهُ فلانَـتْ شِـرّتُـهْ وكمْ أسيرٍ أسْلمَتْـهُ أُسـرَتُـهْ
أنقَذَهُ حتى صفَتْ مـسـرّتُـهْ وحقِّ موْلًى أبدَعَتْهُ فِطْرَتُـهْ
لوْلا التُقَى لقُلتُ جلّتْ قُدرتُهْ

ثم بسَط يدَهُ. بعدَما أنْشدَهُ. وقال: أنْجَزَ حُرٌ ما وعَدَ. وسَحّ خالٌ إذ رَعَدَ. فنبَذْتُ الدّينارَ إليْهِ. وقلتُ: خُذْهُ غيرَ مأسوفٍ علَيْهِ. فوضَعهُ في فيهِ. وقال: بارِك اللهُمّ فيهِ! ثمّ شمّرَ للانْثِناء. بعْدَ توفِيَةِ الثّناء. فنشأتْ لي منْ فُكاهَتِه نشوَةُ غرامٍ. سهّلَتْ عليّ ائْتِنافَ اغْتِرامٍ. فجرّدْتُ ديناراً آخَرَ وقلتُ لهُ: هلْ لكَ في أنْ تذُمّهُ. ثم تضُمّهُ? فأنشدَ مُرتَجِلاً. وشَدا عجِلاً:
تبّاً لهُ مـن خـادِعٍ مُـمـاذِقِ أصْفَرَ ذي وجْهَيْنِ كالمُنـافِـقِ
يَبدو بوَصْفَينِ لعَـينِ الـرّامِـقِ زينَةِ معْشوقٍ ولوْنِ عـاشِـقِ
وحُبّهُ عنـدَ ذَوي الـحَـقـائِقِ يدْعو الى ارتِكابِ سُخْطِ الخالِقِ
لوْلاهُ لمْ تُقْطَـعْ يَمـينُ سـارِقِ ولا بدَتْ مظْلِمَةٌ منْ فـاسِـقِ
ولا اشْمأزّ باخِلٌ مـنْ طـارِقِ ولا شكا المَمطولُ مطلَ العائِقِ
ولا استُعيذَ منْ حَسـودٍ راشِـقِ وشرّ ما فيهِ مـنَ الـخـلائِقِ
أنْ ليسَ يُغْني عنْكَ في المَضايِقِ إلاّ إذا فـرّ فِـرارَ الآبِــقِ
واهاً لمَنْ يقْذِفُهُ مـنْ حـالِـقِ ومَنْ إذا ناجاهُ نجْوى الوامِـقِ
قال لهُ قوْلَ المُحقّ الـصّـادِقِ لا رأيَ في وصلِكَ لي ففارِقِ
فقلتُ له: ما أغزَرَ وبْلَكَ! فقال: والشّرْطُ أمْلَكُ. فنفَحتُهُ بالدّينارِ الثّاني. وقلتُ لهُ: عوّذهُما بالمَثاني. فألْقاهُ في فمِهِ. وقرَنَهُ بتوأمِهِ. وانْكفأ يحمَدُ مغْداهُ. ويمْدَحُ النّاديَ ونَداهُ. قالَ الحارِثُ بنُ همّامٍ: فناجاني قلبي بأنّهُ أبو زيدٍ. وأنّ تعارُجَهُ لِكَيدٍ. فاستَعَدْتُهُ وقلتُ له: قد عُرِفْتَ بوشْيِكَ. فاستَقِمْ في مشيِكَ. فقال: إنْ كُنتَ ابنَ هَمّامٍ. فحُيّيتَ بإكْرامٍ. وحَييتَ بينَ كِرامٍ! فقلتُ: أنا الحارثُ. فكيفَ حالُك والحوادِثُ? فقال: أتقلّبُ في الحالَينِ بُؤسٍ ورَخاءٍ. وأنقَلِبُ مع الرّيحَينِ زعْزَعٍ ورُخاءٍ. فقلتُ: كيفَ ادّعَيْتَ القَزَلَ? وما مِثلُكَ مَن هزَلَ. فاستَسَرّ بِشرُهُ الذي كانَ تجلّى. ثمّ أنشَدَ حينَ ولّى:
تعارَجْتُ لا رَغبَةً في العرَجْ ولكِنْ لأقْرَعَ بابَ الـفـرَجْ
وأُلْقيَ حبْلي على غـارِبـي وأسلُكَ مسْلَكَ مَن قد مرَجْ
فإنْ لامَني القومُ قلتُ اعذِروا فليسَ على أعْرَجٍ من حرَجْ
المتيم
المتيم
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 10135
نقاط : 39783
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 37
الموقع : عيون من أحب

https://eyesloveclub.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقامات الحريري Empty المقامة الدمياطية

مُساهمة من طرف المتيم الأحد أبريل 18, 2010 11:52 pm

المقامة الدّمياطيّة



أخبَرَ الحارثُ بنُ هَمّامٍ قال: ظعَنْتُ الى دُمْياطَ. عامَ هِياطٍ ومِياطٍ. وأنا
يومئِذٍ مرْموقُ الرَّخاء. موموقُ الإخاء. أسْحَبُ مَطارِفَ الثّراء. وأجْتَلي
معارِفَ السّرّاء. فرافَقْتُ صَحْباً قد شَقّوا عَصا الشِّقاقِ. وارْتَضَعوا
أفاوِيقَ الوِفاقِ. حتى لاحُوا كأسْنانِ المُشْطِ في الاستِواء. وكالنّفْسِ
الواحِدَةِ في التِئامِ الأهْواء. وكُنّا مع ذلِك نسيرُ النّجاء. ولا نرْحَلُ إلا
كُلّ هَوْجاء. وإذا نزَلْنا منزِلاً. أو وَردْنا مَنْهَلاً. اخْتلَسْنا اللُّبْثَ.
ولمْ نُطِلِ المُكْثَ. فعنّ لَنا إعْمالُ الرِّكابِ. في ليلةٍ فَتيّةِ الشّبابِ.
غُدافيّةِ الإهابِ. فأسرَيْنا الى أن نَضا اللّيلُ شَبابَهُ. وسلَتَ الصّبحُ
خِضابَهُ. فحينَ ملِلْنا السُرَى. ومِلْنا الى الكَرى. صادَفْنا أرْضاً مُخضَلّةَ
الرُّبا. مُعتلّةَ الصَّبا. فتخيّرْناها مُناخاً للعِيسِ. ومَحطّاً للتّعريسِ.
فلمّا حلّها الخَليطُ. وهَدا بها الأطيطُ والغَطيطُ. سمِعْتُ صَيّتاً منَ
الرّجالِ. يقولُ لسَميرِه في الرّحالِ: كيفَ حُكْمُ سيرَتِكَ. معَ جيلِكَ
وجيرتِكَ? فقال: أرْعَى الجارَ. ولوْ جارَ. وأبذُلُ الوِصالَ. لمَنْ صالَ.
وأحْتَمِلُ الخَليطَ. ولوْ أبْدى التّخليطَ. وأودّ الحَميمَ. ولو جرّعَني
الحَميمَ. وأفضّلُ الشّفيقَ. على الشّقيقِ. وأفي للعَشيرِ. وإنْ لمْ يُكافئْ
بالعَشيرِ. وأستَقِلّ الجَزيلَ. للنّزيلِ. وأغمُرُ الزّميلَ. بالجميلِ. وأنزّلُ
سَميري. منزِلَةَ أميري. وأُحِلّ أنيسي. محَلّ رَئيسي. وأُودِعُ مَعارِفي.
عَوارِفي. وأُولي مُرافِقي. مَرافقي. وأُلينُ مَقالي. للقالي. وأُديم تَسْآلي. عنِ
السّالي. وأرْضى منَ الوَفاء. باللَّفاء. وأقْنَعُ منَ الَجزاء. بأقَلّ الأجزاء.
ولا أتظلّمُ. حينَ أُظلَمُ. ولا أنْقَمُ. ولو لدَغَني الأرقَمُ. فقال لهُ صاحبُه:
ويْكَ يا بُنيّ إنّما يُضَنّ بالضّنينِ. ويُنافَسُ في الثّمينِ. لكِنْ أنا لا آتي.
غيرَ المُؤاتي. ولا أسِمْ العاتي. بمُراعاتي. ولا أُصافي. مَنْ يأبى إنْصافي. ولا
أُواخي. مَنْ يُلْغي الأواخي. ولا أُمالي. مَنْ يُخيّبُ آمالي. ولا أُبالي بمَنْ
صرَمَ حِبالي. ولا أُداري. مَنْ جهِلَ مِقداري. ولا أُعطي زِمامي. مَنْ يُخْفِرُ
ذِمامي. ولا أبْذُلُ وِدادي. لأضْدادي. ولا أدَعُ إيعادي. للمُعادي. ولا أغرِسُ
الأيادي. في أرضِ الأعادي. ولا أسمَحُ بمُواساتي. لمَنْ يفْرَحُ بمَساءاتي. ولا
أرى التِفاتي. الى مَن يشْمَتُ بوَفاتي. ولا أخُصّ بحِبائي. إلا أحبّائي. ولا
أستَطِبّ لدائي. غيرَ أوِدّائي. ولا أمَلِّكُ خُلّتي. مَنْ لا يسُدّ خَلّتي. ولا
أصَفّي نيّتي. لمَنْ يتمنّي منيّتي. ولا أُخْلِصُ دُعائي. لمَنْ لا يُفعِمُ
وِعائي. ولا أُفرِغُ ثَنائي. على مَنْ يفْرغُ إنائي. ومنْ حكمَ بأنْ أبذُلَ
وتخْزُنَ. وألينَ وتخْشُنَ. وأذوبَ وتجْمُدَ. وأذْكو وتخْمُدَ? لا واللهِ بلْ
نتَوازَنُ في المَقالِ. وزْنَ المِثْقالِ. ونَتحاذَى في الفِعالِ. حذْوَ النّعالِ.
حتى نأَنَ التّغابُنَ. ونُكْفى التّضاغُنَ. وإلا فلِمَ أعُلّكَ وتُعلّني. وأُقلّكَ
وتستَقلّني. وأجتَرِحُ لكَ وتجرَحُني. وأسْرَحُ إليْكَ وتُسرّحُني? وكيف
يُجْتَلَبُ إنْصافٌ بضَيْمٍ. وأنّى تُشرِقُ شمْسٌ معَ غيْمٍ? ومتى أُصْحِبَ وُدٌ
بعَسْفٍ. وأيّ حُرّ رضيَ بخُطّةِ خسْفٍ? وللهِ أبوكَ حيثُ يقول:




جزَيْتُ مَنْ أعـلَـقَ بـي وُدَّهُ



جَزاءَ مَنْ يبْني عـلـى أُسّـهِ

وكِلْتُ للخِلّ كمـا كـالَ لـي



على وَفاء الكَيْلِ أو بخْـسِـهِ

ولمْ أُخَـسِّـرْهُ وشَـرُّ
الـوَرى




مَنْ يوْمُهُ أخْسَرُ منْ
أمْـسِـهِ


وكلُّ منْ يطلُبُ عِندي جَـنـى



فما لهُ إلا جَـنـى غـرْسِـهِ

لا أبتَغي الغَبْـنَ ولا
أنْـثَـنـي




بصَفقَةِ المغْبونِ في حِـسّـهِ

ولسْتُ بالموجِبِ حقـاً لـمَـنْ



لا يوجِبُ الحقَّ على نفـسِـهِ

ورُبّ مَذاقِ الهَوى خـالَـنـي



أصْدُقُهُ الوُدّ علـى لَـبْـسِـهِ

وما دَرى منْ جهلِـهِ أنّـنـي



أقْضي غَريمي الدّينَ منْ جِنسِه

فاهجُرْ منِ استَغباكَ هجرَ القِلى



وهَبْهُ كالمَلْحودِ في رمْـسِـهِ

والبَسْ لمَنْ في وصْلِهِ لُـبـسَةٌ



لباسَ مَنْ يُرْغَبُ عنْ أُنـسِـهِ

ولا تُرَجِّ الـوُدَّ مـمّـنْ يرَى



أنّك مُحْتاجٌ الـى فَـلْـسِـهِ




قال الحارثُ بنُ همّام: فلمّا وعَيتُ ما دارَ
بينهُما. تُقْتُ الى أن أعرِفَ عينَهُما. فلمّا لاحَ ابنُ ذُكاء. وألحَفَ الجوَّ
الضّياءُ. غدَوْتُ قبلَ استِقلالِ الرّكابِ. ولا اغتِداءَ الغُرابِ. وجعلْتُ
أستَقْري صوْبَ الصّوتِ اللّيْليّ. وأتوسّمُ الوُجوهَ بالنّظَرِالجَليّ. الى أنْ
لمحْتُ أبا زيْدٍ وابنَهُ يتحادَثان. وعلَيهِما بُرْدانِ رثّانِ. فعَلِمتُ أنّهُما
نجِيّا ليلَتي. ومُعْتَزَى رِوايَتي. فقَصَدْتُهُما قصْدَ كلِفٍ بدَماثَتِهِما.
راثٍ لرَثاثَتِهِما. وأبَحْتُهُما التحَوّلَ الى رحْلي. والتّحكّمَ في كُثْري
وقُلّي. وطَفِقْتُ أُسيّرُ بينَ السّيّارةِ فضْلَهُما. وأهُزّ الأعْوادَ
المُثمِرَةَ لهُما. الى أنْ غُمِرا بالنُّحْلانِ. واتُّخِذا منَ الخُلاّنِ. وكُنّا
بمعرَّسٍ نتبيّنُ منْهُ بُنْيانَ القُرَى. ونتنوّرُ نيرانَ القِرَى. فلمّا رأى أبو
زيدٍ امتِلاءَ كِيسِهِ. وانجِلاءَ بُوسِهِ. قال لي: إنّ بدَني قدِ اتّسَخَ. ودرَني
قد رسَخَ. أفتأذَنُ لي في قصْدِ قريَةٍ لأستَحمّ. وأقضيَ هذا المُهِمَّ? فقلتُ:
إذا شِئْتَ فالسّرعَةَ السّرْعَهْ. والرّجعَةَ الرّجْعَهْ! فقال: ستجِدُ مطْلَعي
عليْكَ. أسرَعَ منِ ارْتِدادِ طرْفِكَ إليْكَ. ثمّ استَنّ استِنانَ الجَوادِ في
المِضْمارِ. وقال لابْنِهِ: بَدارِ بَدارِ! ولمْ نخَلْ أنّهُ غَرَّ. وطلَبَ
المفَرّ. فلبِثْنا نرقُبُهُ رِقبَةَ الأعْيادِ. ونستَطلِعُهُ بالطّلائِعِ
والرّوّادِ. الى أنْ هَرِمَ النّهارُ. وكادَ جُرُفُ اليومِ ينْهارُ. فلمّا طالَ
أمَدُ الانتِظارِ. ولاحَتِ الشمسُ في الأطْمارِ. قُلتُ لأصْحابي: قد تَناهَيْنا في
المُهْلَةِ. وتمادَيْنا في الرّحلَةِ. الى أنْ أضَعْنا الزّمانَ. وبانَ أنّ الرجُلَ
قد مان. فتأهّبوا للظّعَنِ. ولا تَلْووا على خضْراء الدِّمنِ. ونَهَضْتُ لأحدِجَ
راحِلَتي. وأتحمّلَ لرِحلَتي. فوجدْتُ أبا زيْدٍ قد كتبَ. على القَتَبِ:




يا مَنْ غَدا لي ساعِـداً



ومُساعِداً دونَ البَشَرْ

لا تحْسَبَنْ أنّـي نـأي



تُكَ عنْ مَلالٍ أو أشَرْ

لكنّني مُـذْ لـمْ أزَلْ



ممّنْ إذا طَعِمَ انتشَرْ




قال: فأقْرَأتُ الجَماعةَ القتَبَ. ليعْذِرَهُ
منْ كان عتَبَ. فأُعجِبوا بخُرافَتِه. وتعوّذوا منْ آفَتِه. ثمّ إنّا ظعَنّا. ولمْ
ندْرِ منِ اعتاضَ عنّا.
المتيم
المتيم
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 10135
نقاط : 39783
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 37
الموقع : عيون من أحب

https://eyesloveclub.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقامات الحريري Empty رد: مقامات الحريري

مُساهمة من طرف المتيم الثلاثاء أبريل 20, 2010 7:39 am

المقامة الكوفيّة


حَكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: سمَرْتُ بالكوفَةِ
في ليلَةٍ أديمُها ذو لوْنَينِ. وقمرُها كتَعْويذٍ من لُجَينٍ. معَ رُفقَةٍ غُذوا
بلِبانِ البَيانِ. وسحَبوا على سَحْبانَ ذيْلَ النّسْيانِ. ما فيهِمْ إلا مَنْ
يُحْفَظُ عنْهُ ولا يُتَحفَّظُ منْهُ. ويَميلُ الرّفيقُ إليهِ ولا يَميلُ عنهُ.
فاستَهْوانا السّمَرُ. الى أنْ غرَبَ القمَرُ. وغلَبَ السّهَرُ. فلمّا روّقَ
الليْلُ البَهيمُ. ولمْ يبْقَ إلا التّهويمُ. سمِعْنا منَ البابِ نبْأةَ
مُستَنْبِحٍ. ثمّ تلَتْها صكّةُ مُستفْتِحٍ. فقُلنا: منِ المُلِمّ. في اللّيلِ
المُدْلَهِمّ? فقال:




يا أهلَ ذا المَغْنى وُقيتُمْ شَـرّا



ولا لَقيتُمْ ما بَقـيتُـمْ ضُـرّا

قدْ دفَعُ الليلُ الذي
اكْفَـهَـرّا




الى ذَراكُمُ شَعِثاً مُـغْـبَـرّا

أخا سِفارٍ طالَ واسْبَـطَـرّا



حتى انْثَنى مُحْقَوْقِفاً
مُصْفَرّا


مثلَ هِلالِ الأُفْقِ حينَ
افْتَـرّا




وقد عَرا فِناءكُمْ مُـعْـتَـرّا

وأمَّكُـمْ دونَ الأنـام طُـرّا



يبْغي قِرًى منكُمْ ومُستَقَـرّا

فَدونَكُمْ ضَيْفاً قَنوعـاً
حُـرّا




يرْضَى بما احْلَوْلى وما أمَرّا

وينثَني عنْكُمْ ينُثّ الـبِـرّا








قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فلمّا خلَبَنا
بعُذوبَةِ نُطقِهِ. وعلِمْنا ما وَراء برْقِه. ابتَدَرْنا فتْحَ البابِ.
وتلَقّيناهُ بالتّرْحابِ. وقُلْنا للغُلامِ: هيّا هَيّا. وهلُمّ ما تَهيّا! فقالَ
الضّيفُ: والذي أحَلّني ذَراكُمْ. لا تلَمّظْتُ بقِراكُمْ. أو تَضْمَنوا لي أنْ لا
تتّخِذوني كَلاًّ. ولا تجَشّموا لأجْلي أكْلاً. فرُبّ أكْلَةٍ هاضَتِ الآكِلَ. وحرَمَتْهُ
مآكِلَ. وشَرُّ الأضْيافِ مَنْ سامَ التّكليفَ. وآذَى المُضيفَ. خُصوصاً أذًى
يعْتَلِقُ بالأجْسامِ. ويُفْضي الى الأسْقامِ. وما قيلَ في المثَلِ الذي سارَ
سائِرُهُ: خيرُ العَشاء سَوافِرُهُ. إلا ليُعَجَّلَ التّعَشّي. ويُجْتَنَبَ أكْلُ
اللّيلِ الذي يُعْشي. اللهُمّ إلاّ أن تقِدَ نارُ الجوعِ. وتَحولَ دونَ الهُجوعِ.
قال: فكأنّهُ اطّلعَ على إرادَتِنا. فرَمى عنْ قوْسِ عَقيدَتِنا. لا جَرَم أنّا
آنَسْناهُ بالتِزامِ الشّرْطِ. وأثْنَينا على خُلُقِهِ السّبْطِ. ولمّا أحْضَرَ
الغُلامُ ما راجَ. وأذْكى بينَنا السّراجَ. تأمّلتُهُ فإذا هوَ أبو زيْدٍ فقُلتُ
لصَحْبي: ليُهْنَأكُمُ الضّيفُ الوارِدُ. بلِ المَغْنَمُ البارِدُ. فإنْ يكُنْ
أفَلَ قمَرُ الشِّعْرَى فقدْ طلَعَ قمَرُ الشِّعْرِ. أوِ استَسَرّ بدْرُ
النّثْرَةِ فقدْ تبلّجُ بدْرُ النّثْرِ. فسرَتْ حُمَيّا المسَرّةِ فيهِمْ. وطارَتِ
السِّنَةُ عنْ مآقِيهِمْ. ورَفَضوا الدَّعَةَالتي كانوا نَوَوْها. وثابُوا الى
نشْرِ الفُكاهَةِ بعْدَما طوَوْها. وأبو زيْدٍ مُكِبٌّ على إعْمالِ يدَيْهِ. حتى
إذا استَرْفَعَ ما لدَيْهِ. قلتُ لهُ: أطْرِفْنا بغَريبَةٍ منْ غَرائِبِ
أسْمارِكَ. أو عَجيبَةٍ منْ عَجائِبِ أسفارِكَ. فقال: لقدْ بلَوْتُ منَ العَجائِبِ
ما لمْ يرَهُ الرّاؤونَ. ولا رواهُ الرّاوونَ. وإنّ منْ أعجبِها ما عايَنْتُهُ
الليلَةَ قُبَيلَ انْتِيابِكُمْ. ومَصيري الى بابِكُمْ. فاستَخْبَرْناهُ عَنْ
طُرفَةِ مَرآهُ. في مسرَحِ مسْراهُ. فقال: إنّ مَراميَ الغُربَةِ. لفَظَتْني الى
هذِهِ التُرْبَةِ. وأنا ذو مَجاعَةٍ وبوسَى. وجِرابٍ كفؤادِ أمّ موسَى. فنهَضْتُ
حينَ سَجا الدُجى. على ما بي منَ الوَجَى. لأرْتادَ مُضيفاً. أو أقْتادَ رَغيفاً.
فساقَني حادِي السّغَبِ. والقضاءُ المُكنّى أبا العجَبِ. الى أنْ وقفْتُ على بابِ
دارٍ. فقلْتُ على بِدارٍ:




حُييتُمُ يا أهلَ هـذا الـمـنـزِلِ



وعِشتُمُ في خفضِ عيشٍ خضِلِ

ما عندكُمْ لابنِ سَبـيلٍ
مُـرمِـلِ




نِضْوِ سُرًى خابِـطِ لـيْلٍ
ألْـيَلِ


جَوِي الحَشى على الطّوى مُشتَمِلِ



ما ذاقَ مذْ يومانِ طعمَ مـأكَـلِ

ولا لهُ في أرضِكُمْ مـنْ
مَـوْئِلِ




وقد دَجا جُنْحُ الظّلامِ
المُسـبِـلِ


وهْوَ منَ الحَيرَةِ في
تمـلْـمُـلِ




فهلْ بهَذا الرَّبعِ عذبُ
المنـهَـلِ


يقول لي: ألْقِ عَصـاكَ وادخُـلِ



وابْشَرْ ببِشْرٍ وقِرًى مُـعـجَّـلِ




قال: فبرزَ إليّ جَوْذَرٌ. عليهِ شَوْذَرٌ. وقال:




وحُرمَةِ الشّيخِ الذي سنّ
القِـرَى




وأسّسَ المحْجوجَ في أُمّ القُـرَى

ما عِندَنـا لِـطـارِقٍ إذا عَـرا



سوى الحديثِ والمُناخِ في الذَّرَى

وكيفَ يقْري مَنْ نَفى عنه الكَرى



طوًى برَى أعظُمَهُ لمّا انْبَـرى

فما تَرى فيما ذكرتُ ما تَـرى








فقُلتُ: ما أصْنَعُ بمنزِلٍ قَفرٍ. ومُنزِلٍ
حِلفِ فَقْرِ? ولكِنْ يا فَتى ما اسمُكَ. فقدْ فتَنَني فهْمُكَ? فقال: اسمي زيْدٌ.
ومَنشإي فَيْدٌ. ووَردتُ هذِهِ المَدَرَةَ أمْسِ. معَ أخْوالي منْ بَني عبْسٍ.
فقلتُ لهُ: زِدْني إيضاحاً عِشْتَ. ونُعِشْتَ! فقال: أخبرَتْني أمّي بَرّةُ. وهيَ
كاسْمِها برّةٌ. أنّها نكَحَتْ عامَ الغارَةِ بماوانَ. رجُلاً من سَراةِ سَروجَ
وغسّانَ. فلمّا آنَسَ منْها الإثْقال. وكان باقِعةً على ما يُقال. ظعَنَ عنْها
سِرّاً. وهَلُمّ جَرّاً. فما يُعْرَفُ أحَيٌ هوَ فيُتوَقّعَ. أم أودِعَ اللّحْدَ
البَلْقَعَ? قال أبو زيْدٍ: فعلِمْتُ بصِحّةِ العَلاماتِ أنّه ولَدي. وصدَفَني عنِ
التّعرُّفِ إليْهِ صَفْرُ يدي. ففصَلْتُ عنْهُ بكَبِدٍ مرْضوضَةٍ. ودُموعٍ
مفْضوضةٍ. فهلْ سمِعْتُمْ يا أولي الألْبابِ. بأعْجَبَ منْ هذا العُجابِ? فقُلْنا:
لا ومَنْ عندَهُ عِلمُ الكِتابِ. فقال: أثْبِتوها في عَجائِبِ الاتّفاقِ.
وخلِّدوها بُطونَ الأوْراقِ. فما سُيّرَ مثلُها في الآفاقِ. فأحْضَرْنا الدّواةَ
وأساوِدَها. ورَقَشْنا الحِكايَةَ على ما سرَدَها. ثمّ اسْتَبْطنّاهُ عنْ
مُرْتآهُ. في استِضْمام فَتاهُ. فقالَ: إذا ثَقُلَ رُدْني. خَفّ عليّ أنْ أكْفُلَ
ابْني. فقُلنا: إنْ كان يكْفيكَ نِصابٌ منَ المالِ. ألّفناهُ لكَ في الحالِ.
فقالَ: وكيْفَ لا يُقْنِعُني نِصابٌ. وهلْ يحتَقِرُ قدْرَهُ إلا مُصابٌ? قالَ
الرّاوي: فالتَزَمَ منْهُ كلٌ منّا قِسطاً. وكتبَ له بِهِ قِطّاً. فشَكرَ عندَ
ذلِك الصُنْعَ. واستَنْفَدَ في الثّناء الوُسْعَ. حتى إنّنا اسْتَطلْنا القوْلَ.
واستَقلَلْنا الطَّوْلَ. ثمّ إنّهُ نشَرَ منْ وشْيِ السّمَرِ. ما أزْرَى
بالحِبَرِ. الى أنْ أظَلّ التّنْويرُ. وجَشَرَ الصبْحُ المُنيرُ. فقضَيْناها
ليلَةً غابَتْ شوائِبُها. الى أنْ شابَتْ ذَوائِبُها. وكمُلَ سُعودُها. الى أنِ
انْفطَرَ عودُها. ولمّا ذَرّ قرْنُ الغَزالَةِ. طمرَ طُمورَ الغَزالَةِ. وقال:
انْهَضْ بِنا لنَقبِضَ الصِّباتِ. ونستَنِضَّ الإحالاتِ. فقَدِ اسْتَطارَتْ صُدوعُ
كَبِدي. منَ الحَنينِ الى ولَدِي. فوَصَلتُ جَناحَهُ. حتى سَنّيتُ نَجاحَهُ. فحينَ
أحْرَزَ العَينَ في صرّتِه. فرَقَتْ أساريرُ مسرّتِهِ. وقال لي: جُزيتَ خَيراً عنْ
خُطا قدَمَيكَ. واللهُ خَليفَتي علَيْكَ. فقُلتُ: أُريدُ أن أتّبِعَكَ لأشاهِدَ
ولَدَك النّجيبَ. وأُنافِثَهُ لكَيْ يُجيبَ. فنظَرَ إليّ نظْرَةَ الخادِعِ الى
المَخْدوعِ. وضحِكَ حتى تغَرْغَرَتْ مُقلَتاهُ بالدّموعِ. وأنشَدَ:




يا مَنْ يظَنّى السّرابَ مـاءً



لمّا روَيْتُ الـذي روَيْتُ

ما خِلْتُ أنْ يستَسِرّ مَكري



وأنْ يُخيلَ الذي عـنَـيْتُ

واللهِ ما بَرّةٌ بـعِـرْسـي



ولا ليَ ابنٌ بِهِ اكتَـنَـيْتُ

وإنّما لي فُنـونُ سِـحـرٍ



أبدَعْتُ فيها وما اقتَـدَيتُ

لمْ يحْكِها الأصمَعيُّ فيمـا



حكَى ولا حاكَها الكُمَـيتُ

تَخِذْتُها وُصـلَةً الـى مـا



تَجْنيهِ كَفّي متى اشتَهَـيْتُ

ولوْ تَعافَيتُهـا لـحـالَـتْ



حالي ولمْ أحْوِ ما حـوَيْتُ

فمهّدِ العُذْرَ أو فسـامِـحْ



إنْ كُنتُ أجرَمْتُ أو جنَيْتُ



ثمّ إنّه ودّعني ومَضى.
وأوْدَعَ قلْبي جمْرَ الغَضا
المتيم
المتيم
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 10135
نقاط : 39783
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 37
الموقع : عيون من أحب

https://eyesloveclub.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقامات الحريري Empty رد: مقامات الحريري

مُساهمة من طرف المتيم الجمعة أبريل 23, 2010 2:30 am

المقامة المَراغيّة

رَوى الحارثُ بنُ هَمّامٍ قالَ: حضَرْتُ ديوانَ النّظرِ بالمَراغَةِ. وقدْ جَرى بهِ ذكْرُ البَلاغَةِ. فأجمَعَ مَنْ حضَرَ منْ فُرْسانِ اليَراعَةِ. وأرْبابِ البَراعةِ. على أنّهُ لمْ يبْقَ مَنْ يُنقّحُ الإنْشاءَ. ويتصرّفُ فيهِ كيفَ شاءَ. ولا خلَفَ. بعْدَ السّلَفِ. مَنْ يبتَدِعُ طريقةً غَرّاء. أو يفتَرِعُ رسالةً عذْراءَ. وأنّ المُفلِقَ من كُتّابِ هذا الأوانِ. المُتمكّنَ من أزِمّةِ البَيانِ. كالعِيالِ على الأوائِلِ. ولو ملَكَ فَصاحَةَ سحْبانِ وائِلٍ. وكان بالمجْلِسِ كهْلٌ جالِسٌ في الحاشيةِ. عندَ مَواقِفِ الحاشِيَةِ. فكانَ كلّما شطّ القوْمُ في شوْطِهِمْ. ونشَروا العَجْوَةَ والنّجْوَةَ منْ نوْطِهِمْ. يُنْبئ تَخازُرُ طرْفِهِ. وتشامُخُ أنفِهِ. أنّهُ مُخْرَنْبِقٌ ليَنْباعَ. ومُجْرَمِّزٌ سيَمُدّ الباعَ. ونابِضٌ يبْري النِّبالَ. ورابِضٌ يبْغي النّضالَ. فلمّا نُثِلَتِ الكَنائِنُ. وفاءتِ السّكائِنُ. وركَدَتِ الزّعازعُ. وكفّ المُنازِعُ. وسكنَتِ الزّماجِرُ. وسكتَ المزْجورُ والزّاجِرُ. أقبَلَ على الجَماعَةِ وقال: لقَدْ جئْتُمْ شيْئاً إدّاً. وجُرْتُمْ عنِ القصْدِ جِدّاً. وعظّمتُمُ العِظامَ الرُّفاتَ. وافْتَتُّمْ في المَيْلِ الى مَنْ فات، وغمصتم جيلكم الذين فيهم لكم اللذت، معهم انعَقَدَتِ المودّاتُ. أنَسيتُمْ يا جَهابِذَةَ النّقْدِ. ومَوابِذَةَ الحَلّ والعَقْدِ. ما أبْرَزَتْهُ طَوارِفُ القَرائِحِ. وبرّزَ فيهِ الجذَعُ على القارِحِ. منَ العِباراتِ المهَدَّبَةِ. والاستِعاراتِ المُستَعْذَبَةِ. والرّسائِلِ الموشّحَةِ. والأساجيعِ المُستَمْلَحَةِ? وهلْ للقُدَماء إذا أنعَمَ النّظَرَ. مَنْ حضَرَ. غيرُ المَعاني المطْروقَةِ المَوارِدِ. المعْقولَةِ الشّوارِدِ. المأثورَةِ عنهُمْ لتَقادُمِ المَوالِدِ. لا لتقدُّمِ الصّادِرِ على الوارِدِ? وإني لأعْرِفُ الآنَ مَنْ إذا أنْشا. وشّى. وإذا عبّرَ. حبّرَ. وإنْ أسهَبَ. أذْهَبَ. وإذا أوْجَزَ. أعْجَزَ. وإنْ بَدَهَ. شدَهَ. ومتى اخْتَرَعَ. خرَعَ. فقالَ لهُ ناظورَةُ الدّيوانِ. وعينُ أولَئِكَ الأعْيانِ: مَنْ قارِعُ هذِهِ الصّفاةِ. وقَريعُ هذِهِ الصّفاتِ? فقال: إنّه قِرْنُ مَجالِكَ. وقَرينُ جِدالِكَ. وإذا شِئْتَ ذاكَ فرُضْ نَجيباً. وادْعُ مُجيباً. لتَرى عَجيباً. فقال لهُ: يا هَذا إنّ البُغاثَ بأرضِنا لا يَستَنْسِرُ. والتّمييزَ عندَنا بينَ الفِضّةِ والقضة متيَسِّرٌ. وقَلَّ منِ استَهدَفَ للنّضالِ. فخلّصَ منَ الدّاء العُضالِ. أوِ استَسارَ نقْعَ الامْتِحانِ. فلمْ يُقْذَ بالامتِهانِ. فلا تُعرِّضْ عِرْضَكَ للمَفاضِحِ. ولا تُعْرِضْ عنْ نَصاحَةِ النّاصِحِ. فقال: كُلُّ امرِئٍ أعْرَفُ بوسْمِ قِدْحِهِ. وسيَتَفرّى الليلُ عنْ صُبْحِهِ. فتَناجَتِ الجَماعَةُ فيما يُسْبَرُ بهِ قُلَيْبُهُ. ويُعْمَدُ فيهِ تقْليبُهُ. فقال أحدُهُمْ: ذَرُوهُ في حِصّتي. لأرْميَهُ بحَجَرِ قِصّتي. فإنّها عُضْلَةُ العُقَدِ. ومِحَكُّ المُنْتَقَدِ. فقلّدوهُ في هذا الأمْرِ الزّعامَةَ. تقْليدَ الخوارِجِ أبا نَعامَةَ. فأقْبَلَ على الكهْلِ وقالَ: اعْلَمْ أني أُوالي. هذا الوالي. وأُرَقّحُ حالي. بالبَيانِ الحالي. وكُنْتُ أستَعينُ على تقْويمِ أوَدي. في بلَدي. بسَعَةِ ذاتِ يَدي. معَ قِلّةِ عدَدي. فلمّا ثَقُلَ حاذي. ونفِدَ رَذاذي. أمّمْتُهُ منْ أرْجائي. برَجائي. ودعوْتُهُ لإعادَةِ رُوائي وإرْوائي. فهَشّ للوِفادَةِ وراحَ. وغَدا بالإفادَةِ وراحَ. فلمّا استأذَنْتُهُ في المَراحِ. الى المُراحِ. على كاهِلِ المِراحِ. قال: قدْ أزْمَعْتُ أنْ لا أزوّدَكَ بَتاتاً. ولا أجْمعَ لكَ شَتاتاً. أو تُنْشِئَ لي أمامَ ارتِحالِكَ. رِسالَةً تودِعُها شرْحَ حالِكَ. حُروفُ إحْدى كلِمتَيْها يعُمّها النَّقْطُ. وحُروفُ الأخْرى لمْ يُعْجَمْنَ قطّ. وقدِ استأنَيْتُ بَياني حَوْلاً. فَما أحارَ قوْلاً. ونَبَهْتُ فِكْري سَنَةً. فما ازْدادَ إلا سِنَةً. واستَعَنْتُ بقاطِبَةِ الكُتّابِ. فكلٌ منْهُمْ قطّبَ وتابَ. فإنْ كُنتَ صدَعْتَ عنْ وصْفِكَ باليَقينِ. فأتِ بآيَةٍ إنْ كُنتَ منَ الصّادِقين. فقال لهُ: لقَدِ استَسْعَيْتَ يَعْبوباً. واستَسْقَيْتَ أُسْكوباً. وأعطَيْتَ القوْسَ بارِيَها. أسْكَنْتَ الدّارَ ثانِيَها. ثمّ فكّرَ
ريثَما اسْتَجَمّ قريحَتَهُ. واستَدَرّ لَقْحَتَهُ. وقالَ: ألْقِ دَواتَكَ واقْرُبْ. وخُذْ أداتَكَ واكتُبْ:ا اسْتَجَمّ قريحَتَهُ. واستَدَرّ لَقْحَتَهُ. وقالَ: ألْقِ دَواتَكَ واقْرُبْ. وخُذْ أداتَكَ واكتُبْ: الكرَمُ ثبّتَ اللهُ جيْشَ سُعودِكَ يَزينُ. واللّؤمُ غَضّ الدّهرُ جَفْنَ حَسودِكَ يَشينُ. والأرْوَعُ يُثيبُ. والمُعْوِرُ يَخيبُ. والحُلاحِلُ يُضيفُ. والماحِلُ يُخيفُ. والسّمْحُ يُغْذي. والمَحْكُ يُقذي. والعطاء ينجي والمطال يشجي، والدعاء يفي والمدح ينقي والحُرُّ يَجْزي. والإلْطاطُ يُخْزي. واطّراحُ ذي الحُرْمَةِ غَيٌ. ومَحْرَمَةُ بَني الآمالِ بغْيٌ. وما ضنّ إلا غَبينٌ. ولا غُبِنَ إلا ضَنينٌ. ولا خزَنَ إلا شَقيٌ. ولا قبَضَ راحَهُ تقيٌ. وما فتئ وعدُك يَفي. وآراؤكَ تَشْفي. وهِلالُكَ يُضي. وحِلْمُك يُغْضي. وآلاؤكَ تُغْني. وأعداؤكَ تُثْني. وحُسامُك يُفْني. وسؤدَدُكَ يُقْني. ومُواصِلُكَ يجْتَني. ومادِحُك يقْتَني. وسماحُكَ يُغيثُ. وسماؤكَ تَغيثُ. ودرُّكَ يَفيضُ. وردُّكَ يَغيضُ. ومؤمِّلُكَ شيْخٌ حَكاهُ فَيْءٌ. ولمْ يبْقَ لهُ شيءٌ. أمّكَ بظَنٍ حِرصُهُ يثِبُ. ومدَحَكَ بنُخَبٍ. مُهورُها تجِبُ. ومَرامُهُ يخِفُّ. وأواصِرُهُ تشِفُّ. وإطْراؤهُ يُجْتَذَبُ. وملامُهُ يُجتَنَبُ. وورَاءهُ ضَفَفٌ. مَسّهُمْ شظَفٌ. وحصّهُمْ جنَفٌ. وعمّهُمْ قشَفٌ. وهوَ في دمْعٍ يُجيبُ. وولَهٍ يُذيبُ. وهَمٍّ تَضيّفَ. وكمَدٍ نيّفَ. لمأمولٍ خيّبَ. وإهْمالٍ شيّبَ. وعدوٍّ نَيّبَ. وهُدُوٍّ تغيّبَ. ولمْ يزِغْ ودُّهُ فيغْضَبَ. ولا خَبُثَ عودُهُ فيُقْضَبَ. ولا نفَثَ صدْرُهُ فيُنْفَضَ. ولا نشَزَ وصْلُهُ فيُبْغَضَ. وما يقْتَضي كرَمُكَ نبْذَ حُرَمِهِ. فبيِّضْ أمَلَهُ بتَخْفيفِ ألَمِهِ. ينُثّ حمدَكَ بينَ عالَمِهِ. بقيتَ لإماطَةِ شجَبٍ. وإعْطاءِ نشَبٍ. ومُداواةِ شجَنٍ. ومُراعاةِ يفَنٍ. موصولاً بخَفْضٍ. وسُرورٍ غَضٍّ. ما غُشِيَ معْهَدُ غنيٍّ. أو خُشِيَ وهْمُ غبيٍّ. والسّلامُ. فلمّا فرَغَ منْ إمْلاءِ رِسالَتِهِ. وجلّى في هَيْجاء البَلاغَةِ عنْ بَسالَتِهِ. أرضَتْهُ الجماعَةُ فِعْلاً وقوْلاً. وأوْسَعَتْهُ حَفاوَةً وطَوْلاً. ثمّ سُئِلَ منْ أيّ الشّعوبِ نِجارُهُ. وفي أيّ الشِّعابِ وِجارُهُ? فقال:
غسّانُ أُسرَتيَ الصّـمـيمَـهْ وسُروجُ تُرْبَتي القَـديمَـهْ
فالبَيتُ مثلُ الـشّـمْـسِ إشْ راقاً ومنـزِلَةً جـسـيمَـهْ
والرّبْعُ كالـفِـرْدَوْسِ مـطْ يَبَةً ومَـنْـزَهَةً وقـيمَـهْ
واهـاً لـعـيْشٍ كـانَ لـي فيهـا ولـذّآتٍ عَـمـيمَـهْ
أيّامَ أسْحَـبُ مُـطْـرَفـي في روضِها ماضي العَزيمَهْ
أخْتالُ فـي بُـردِ الـشّـبـا بِ وأجْتَلي النِّعَمَ الوَسيمَـهْ
لا أتّـقـي نُـوَبَ الـزّمـا نِ ولا حَوادِثَهُ المُـلـيمَـهْ
فلوَ انّ كـرْبـاً مُـتْـلِـفٌ لَتَلِفْتُ منْ كُرَبي المُقـيمَـهْ
أو يُفْتَدَى عـيْشٌ مـضـى لفدَتْهُ مُهجَتيَ الـكَـريمَـهْ
فالموْتُ خـيرٌ لـلـفـتـى منْ عيشِهِ عيْشَ البَهـيمَـهْ
تقْـتـادُهُ بُـرَةُ الـصَّـغـا رِ الى العظيمَةِ والهضيمَـهْ
ويرَى السّباعَ تَـنـوشُـهـا أيْدي الضّباعِ المُستَضيمَـهْ
والـذّئبُ لــلأيّامِ لـــوْ لا شُؤمُها لمْ تنْبُ شـيمَـهْ
ولوِ استَقامَـتْ كـانـتِ ال أحوالُ فيها مُسـتَـقـيمَـهْ
ثمّ إنّ خبَرَه نَما الى الوالي. فمَلأ فاهُ باللآلي. وسامَهُ أن ينضَويَ الى أحشائِهِ. ويَليَ ديوانَ إنْشائِهِ. فأحْسَبَهُ الحِباءُ. وظلَفَهُ عنِ الوِلايَةِ الإباءُ. قال الراوي: وكُنتُ عرَفْتُ عُودَ شجَرَتِه. قبلَ إيناعِ ثمرَتِهِ. وكِدْتُ أنبّهُ على عُلوّ قدْرِهِ. قبلَ استِنارَةِ بدْرِهِ. فأوْحى إليّ بإيماضِ جفْنِهِ. أن لا أجرِّدَ عضْبَهُ منْ جفْنِهِ. فلمّا خرَجَ بَطينَ الخُرْجِ. وفصَلَ فائِزاً بالفُلْجِ. شيّعْتُهُ قاضِياً حقّ الرّعايَةِ. ولاحِياً لهُ على رفْضِ الوِلايَةِ. فأعْرَضَ مُتَبَسّماً. وأنْشَدَ مترنّماً:
لَجَوْبُ البِلادِ معَ المَتْرَبَـهْ أحَبُّ إليّ منَ المرْتَـبَـهْ
لأنّ الوُلاةَ لـهُـمْ نَـبـوَةٌ ومعْتَبَةٌ يا لَها مَعْـتَـبَـهْ
ومافيهمِ مَنْ يرُبُّ الصّنيعَ ولا مَنْ يُشيِّدُ ما رتّـبَـهْ
فلا يخدَعنْكَ لَموعُ السّرابِ ولا تأتِ أمْراً إذا ما اشْتبَهْ
فكَمْ حالِمٍ سرّهُ حُـلْـمُـهُ وأدرَكَهُ الرّوْعُ لمّا انْتبَـهْ

المتيم
المتيم
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 10135
نقاط : 39783
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 37
الموقع : عيون من أحب

https://eyesloveclub.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقامات الحريري Empty رد: مقامات الحريري

مُساهمة من طرف المتيم الثلاثاء مايو 04, 2010 1:46 am

المقامة البَرْقَعيديّة
حكى الحارثُ بنُ هَمّامٍ قال: أزْمَعْتُ الشّخوصَ منْ بَرْقَعيدَ. وقد شِمْتُ برْقَ عِيدٍ. فكرِهتُ الرّحلةَ عنْ تلكَ المَدينَةِ. أو أشهَدَ بها يوْمَ الزّينَةِ. فلمّا أظَلّ بفَرْضِهِ ونفْلِهِ. وأجْلَبَ بخَيْلِهِ ورَجْلِهِ. اتّبَعْتُ السُنّةَ في لُبسِ الجَديدِ. وبرَزْتُ معَ مَنْ برَزَللتّعييدِ. وحينَ التَأمَ جمْعُ المُصَلّى وانْتَظَمَ. وأخذَ الزِّحامُ بالكَظَمِ. طلَعَ شيخٌ في شمْلَتَينِ. محْجوبُ المُقلتَيْنِ. وقدِ اعْتَضَدَ شِبْهُ المِخْلاةِ. واسْتَقادَ لعَجوزٍ كالسِّعْلاةِ. فوقَفَ وِقْفَة مُتهافِتٍ. وحيّا تحيّةَ خافِتٍ. ولمّا فرَغَ منْ دُعائِهِ. أجالَ خَمْسَهُ في وِعائِهِ. فأبْرَزَ منْهُ رِقاعاً قدْ كُتِبنَ بألوانِ الأصْباغِ. في أوانِ الفَراغِ. فناوَلَهُنّ عَجوزَهُ الحَيْزَبونَ. وأمرَها بأنْ تتوسّمَ الزَّبونَ. فمَنْ آنسَتْ نَدى يدَيْهِ. ألْقَتْ ورَقَةً منهُنّ لدَيْهِ. فأتاحَ ليَ القدَرُ المعْتوبُ. رُقْعَةً فيها مكْتوبٌ:
لقَدْ أصبَحْتُ موقـوذاً بأوجـاعٍ وأوْجــالِ
ومَمْنُواً بمُـخْـتـالٍ ومُحْتالٍ ومُغْـتـالِ
وخَوّانٍ مـنَ الإخْـوا نِ قالٍ لي لإقْلالـي
وإعْمالٍ منَ العُـمّـا لِ في تضْليعِ أعْمالي
فكمْ أُصْلي بـإذحـالٍ وإمْحالٍ وتـرْحـالِ
وكَمْ أخْطِرُ في بـالٍ ولا أخْطُرُ في بـالِ
فلَيْتَ الدّهْرَ لمّا جـا رَ أطْفا ليَ أطْفالـي
فلَـوْلا أنّ أشْـبــا ليَ أغْلالي وأعْلالي
لَما جهّزْتُ آمـالـي الـى آلٍ ولا والـي
ولا جـرّرْتُ أذْيالـي على مَسْحَبِ إذْلالي
فمِحْرابيَ أحْرَى بـي وأسْماليَ أسْمَى لـي
فهلْ حُرٌ يَرى تخْفـي فَ أثْقالي بمِثْـقـالِ
ويُطْفي حَرَّ بَلْبـالـي بسِرْبـالٍ وسِـرْوالِ
قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فلما استَعْرَضْتُ حُلةَ الأبْياتِ تُقْتُ الى معرِفَةِ مُلْحِمِها. وراقِمِ علَمِها. فناجاني الفِكْرُ بأنّ الوُصْلَةَ إلَيْهِ العَجوزُ. وأفْتاني بأنّ حُلوانَ المُعرِّفِ يَجوزُ. فرَصَدْتُها وهيَ تستَقْري الصّفوفَ صَفّاً صَفاً. وتستَوكِفُ الأكُفَّ كفّاً كفاً. وما إنْ ينْجَحُ له عَناءٌ. ولا يرْشَحُ على يدِها إناءٌ. فلما أكْدى استِعْطافُها. وكدّها مَطافُها. عاذَتْ بالاسْتِرْجاعِ. ومالَتْ الى إرجاعِ الرِّقاعِ. وأنْساها الشيْطانُ ذِكْرَ رُقْعَتي. فلمْ تعُجْ الى بُقْعَتي. وآلَتْ الى الشيْخِ باكيةً للحِرْمانِ. شاكِيةً تحامُلَ الزّمانِ. فقالَ: إنّا للهِ. وأفوّضُ أمْري الى اللهِ. ولا حوْلَ ولا قوّةَ إلا باللهِ. ثمّ أنْشَدَ:
لمْ يبْقَ صافٍ ولا مُصافٍ ولا مَعينٌ ولا مُـعـينُ
وفي المَساوي بَدا التّساوي فلا أمـينٌ ولا ثَـمـينُ

ثم قال لها: مَنّي النّفْسَ وعِديها. واجْمَعي الرِّقاعَ وعُدّيها. فقالَتْ: لقدْ عدَدْتُها. لمّا استَعَدْتُها. فوجَدْتُ يدَ الضّياعِ. قد غالَتْ إحْدى الرِّقاعِ. فقال: تعْساً لكِ يا لَكاعِ! أنُحْرَمُ ويْحَكِ القنَصَ والحِبالَةَ. والقَبَسَ والذُبالةَ? إنّها لضِغْثٌ على إبّالَةٍ! فانْصاعَتْ تقْتَصّ مَدْرَجَها. وتَنْشُدُ مُدْرَجَها. فلمّا دانَتْني قرَنْتُ بالرُقعَةِ. دِرْهَماً وقِطْعَةً. وقلتُ لها: إنْ رَغِبتِ في المَشوفِ المُعْلَمِ. وأشَرْتُ الى الدّرهَمِ. فَبوحي بالسّرّ المُبهَمِ. وإنْ أبَيْتِ أنْ تشْرَحي. فخُذي القِطعَةَ واسرَحي. فمالَتْ الى استِخْلاصِ البدْرِ التِّمّ. والأبلَجِ الهِمّ. وقالتْ: دعْ جِدالَكَ. وسَلْ عمّا بَدا لَكَ. فاستَطْلَعْتُها طِلْعَ الشّيخٍ وبَلْدَتِهِ. والشِّعْرِ وناسِجِ بُرْدَتِه. فقالَتْ: إنّ الشيخَ من أهلِ سَروجَ. وهوَ الذي وشّى الشّعرَ المَنسوجَ. ثمّ خَطِفَتِ الدّرْهمَ خَطفَةَ الباشِقِ. ومرَقَتْ مُروقَ السّهْمِ الرّاشِقِ. فخالَجَ قلْبي أنّ أبا زيْدٍ هوَ المُشارُ إليْهِ. وتأجّجَ كرْبي لمُصابِهِ بناظِرَيْهِ. وآثرْتُ أنْ أُفاجِيهِ وأناجيهِ. لأعْجُمَ عودَ فِراسَتي فيه. وما كُنتُ لأصِلَ إليْهِ إلا بتَخطّي رِقابِ الجمْعِ. المَنْهيّ عنْهُ في الشّرْعِ. وعِفْتُ أنْ يتأذّى بي قوْمٌ. أو يسْري إليّ لوْمٌ. فسَدِكْتُ بمَكاني. وجعلْتُ شخْصَهُ قيْدَ عِياني. الى أنِ انْقضَتِ الخُطبَةُ. وحقّتِ الوثْبَةُ. فخفَفْتُ إليْهِ. وتوسّمْتُهُ على التِحامِ جَفنَيْهِ. فإذا ألمَعيّتي ألمَعيّةُ ابنِ عبّاسٍ. وفِراسَتي فِراسَةُ إياسٍ. فعرّفتُهُ حينَئِذٍ شخْصي. وآثَرْتُه بأحَدِ قُمْصي. وأهَبْتُ بهِ الى قُرْصي. فهشّ لعارِفَتي وعِرْفاني. ولبّى دعْوَةَ رُغْفاني. وانْطَلَقَ ويَدي زِمامُهُ. وظلّي إمامُهُ. والعجوزُ ثالثَةُ الأثافي. والرّقيبُ الذي لا يَخْفَى عليْهِ خافي. فلمّا استَحْلَسَ وُكْنَتي. وأحضَرْتُهُ عُجالَةَ مُكْنَتي. قال لي: يا حارِثُ. أمَعَنا ثالِثٌ? فقلتُ: ليسَ إلا العَجوزُ. قال: ما دونَها سِرٌ محْجوزٌ. ثمّ فتَحَ كريمَتَيْهِ. ورأرَأ بتوْأمَتَيهِ. فإذا سِراجا وجْهِهِ يقِدانِ. كأنّهُما الفَرْقَدانِ. فابْتَهَجْتُ بسَلامَةِ بصَرِهِ. وعجِبْتُ منْ غَرائِبِ سِيَرِهِ. ولمْ يُلْقِني قَرارٌ. ولا طاوَعَني اصْطِبارٌ. حتى سألْتُهُ: ما دَعاكَ الى التّعامي. معَ سيرِكَ في المَعامي. وجوْبِكَ المَوامي. وإيغالِكَ في المَرامي? فتَظاهَرَ باللُّكْنَةِ. وتشاغَلَ باللُّهْنَةِ. حتى إذا قَضى وطَرَهُ. أتْأرَ إليّ نظَرَهُ. وأنشَدَ:
ولمّا تَعامى الدّهرُ وهْوَ أبو الوَرى عنِ الرُشْدِ في أنحائِهِ ومقاصِـدِهْ
تعامَيتُ حى قيلَ إني أخو عَـمًـى ولا غَرْوَ أن يحذو الفتى حَذوَ والِدهْ
ثمّ قال لي: انْهَضْ الى المُخدَعِ فأتِني بغَسولٍ يَروقُ الطّرْفَ. ويُنْقي الكَفَّ. وينعِّمُ البَشَرةَ. ويُعطِّرُ النّكهَةَ. ويشُدّ اللّثَةَ. ويقوّي المَعِدَةَ. ولْيَكُنْ نَظيفَ الظَّرْفِ. أريجَ العَرْفِ. فتيَّ الدّقِّ. ناعِمَ السّحْقِ. يحسَبُهُ اللاّمِسُ ذَروراً. ويَخالُهُ الناشِقُ كافوراً. واقْرُنْ بهِ خِلالَةً نقيّةَ الأصْلِ. محبوبَةَ الوصْلِ. أنيقَةَ الشّكلِ. مَدْعاةً الى الأكْلِ. لها نَحافَةُ الصّبّ. وصَقالَةُ العَضْبِ. وآلَةُ الحرْبِ. ولُدونَةُ الغُصْنِ الرّطْبِ. قال: فنَهضْتُ فيما أمَرَ. لأدْرَأَ عنْهُ الغَمَرَ. ولمْ أهِمْ الى أنّهُ قصَدَ أنْ يَخْدَعَ. بإدْخاليَ المُخدَعَ. ولا تظنّيْتُ أنّهُ سخِرَ منَ الرّسولِ. في استِدْعاء الخِلالَةِ والغَسولِ. فلمّا عُدْتُ بالمُلتَمَسِ. في أقرَبَ منْ رجْعِ النّفَسِ. وجدْتُ الجوّ قدْ خَلا. والشيْخَ والشيْخَةَ قد أجْفَلا. فاستَشَطْتُ منْ مَكْرِهِ غضَباً. وأوْغَلتُ في إثْرِهِ طلَباً. فكانَ كمَنْ قُمِسَ في الماء. أو عُرِجَ بهِ الى عَنانِ السّماء.
المتيم
المتيم
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 10135
نقاط : 39783
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 37
الموقع : عيون من أحب

https://eyesloveclub.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقامات الحريري Empty رد: مقامات الحريري

مُساهمة من طرف المتيم الإثنين مايو 24, 2010 12:35 am

المقامة المعَرّيَّة

أخبرَ الحارِثُ بنُ هَمّامٍ قال: رأيتُ منْ أعاجيبِ الزّمانِ. أن تقدّم خَصْمانِ. الى قاضي مَعرّةِ النّعمانِ. أحدُهُما قدْ ذهَبَ منْهُ الأطْيَبانِ. والآخَرُ كأنّهُ قَضيبُ البانِ. فقال الشيخُ: أيّدَ اللهُ القاضيَ. كما أيّدَ بهِ المُتقاضيَ. إنّهُ كانَتْ لي مَمْلوكَةٌ رَشِقَةُ القدّ. أسيلَةُ الخدّ. صَبورٌ على الكدّ. تخُبّ أحْياناً كالنّهْدِ. وترقُدُ أطْواراً في المهْدِ. وتجِدُ في تمّوزَ مَسَّ البَرْدِ. ذاتُ عقْلٍ وعِنانٍ. وحدٍ وسِنانٍ. وكفٍّ ببَنانٍ. وفمٍ بلا أسْنانٍ. تلْدَغُ بلِسانٍ نَضْناضٍ. وترْفُلُ في ذيْلٍ فضْفاضٍ. وتُجْلى في سَوادٍ وبَياضٍ. وتُسْقَى ولكِنْ منْ غيرِ حِياضٍ. ناصِحَةٌ خُدَعَةٌ. خُبَأةٌ طُلَعَةٌ. مطْبوعَةٌ على المنفَعَةِ. ومطْواعَةٌ في الضّيقِ والسَّعَةِ. إذا قطَعَتْ وصَلَتْ. ومتى فصَلتَها عنْكَ انفَصَلَتْ. وطالَما خدَمَتْكَ فجمّلَتْ. وربّما جنَتْ عليْكَ فآلَمَتْ وملْمَلَتْ. وإنّ هذا الفَتى استَخْدَمَنيها لغرَضٍ. فأخْدَمْتُهُ إيّاها بِلا عِوَضٍ. على أن يجْتَنيَ نفْعَها. ولا يُكلّفَها إلا وُسْعَه. فأوْلَجَ فيها مَتاعَهُ. وأطالَ بها استِمْتاعَهُ. ثم أعادَها إليّ وقدْ أفْضاها. وبذَلَ عنْها قيمَةً لا أرضاها. فقال الحَدَثُ: أمّا الشيخُ فأصدَقُ منَ القَطا. وأما الإفْضاءُ ففَرَطَ عنْ خَطا. وقدْ رهَنْتُهُ. عن أرْشِ ما أوْهَنْتُهُ. ممْلوكاً لي مُتناسِبَ الطّرَفَينِ. مُنتَسِباً الى القَينِ. نقِيّاً منَ الدّرَنِ والشَّينِ. يُقارِنُ محلُّهُ سَوادَ العينِ. يُفْشي الإحْسانَ. ويُنْشي الاسْتِحْسانَ. ويُغْذي الإنْسانَ. ويتَحامَى اللّسانَ. إنْ سُوّدَ جادَ. أو وَسَمَ أجادَ. وإذا زُوّدَ وَهَبَ الزّادَ. ومَتى اسْتُزيدَ زادَ. لا يستَقِرّ بمَغْنى. وقلّما ينكِحُ إلا مَثْنى. يسْخو بمَوجودِه. ويسْمو عندَ جودِهِ. وينْقادُ معَ قَرينَتِهِ. وإنْ لمْ تكنْ منْ طينَتِهِ. ويُستَمْتَعُ بزينَتِهِ. وإنْ لمْ يُطْمَعْ في لينَتِه. فقال لهُما القاضي: إمّا أن تُبينا. وإلا فَينا.فابْتَدَر الغُلامُ وقال:
أعارني إبرَةً لأرفـوَ أطْـمـا راً عَفاها البِلـى وسـوّدَهـا
فانخرَمَتْ في يَدي على خطَـإٍ منّيَ لمّا جذَبْتُ مِـقـوَدَهـا
فلمْ ير الشيخُ أن يُسامِحَـنـي بإرْشِـهـا إذْ رأى تـأوُّدَهـا
بلْ قال هاتِ إبرَةً تُماثِـلُـهـا أو قيمَةً بعْدَ أن تـجـوّدَهـا
واعْتاقَ ميلي رَهْناً لـدَيْهِ ونـا هيكَ بـه سُـبّةً تَـزوّدَهــا
فالعينُ مَرْهَى لرَهْـنِـه ويدي تقصُرُ عنْ أن تفُكّ مِروَدَهـا
فاسبُرْ بذا الشّرْحِ غوْرَ مسكَنتي وارْثِ لمنْ لم يكُنْ تعـوّدَهـا
فأقبلَ القاضي على الشيخِ وقال: إيهٍ. بغَيرِ تمْويهٍ! فقال:
أقسَمْتُ بالمَشْعَرِ الحَرامِ ومنْ ضمّ منَ الناسِكينَ خَيْفُ مِنى
لوْ ساعَفَتْني الأيّامُ لمْ يرَنـي مُرتَهِناً مِيلَهُ الذي رَهَـنـا
ولا تصدّيتُ أبتَـغـي بـدَلاً منْ إبرَةٍ غالَها ولا ثَمَـنـا
لكِنّ قوْسَ الخُطوبِ ترْشِقُني بمُصْمِياتٍ منْ هاهُنا وهُنـا
وخُبْرُ حالي كخُبْرِ حالـتِـهِ ضُرّاً وبؤساً وغُربَةً وضَنى
قد عدَلَ الدهْرُ بينَنـا فـأنـا نظيرُهُ في الشّقاء وهْوَ أنـا
لا هُوَ يسْطيعُ فـكّ مِـروَدِهِ لمّا غدا في يَدَيّ مُرتَهَـنـا
ولا مَجالي لِضيقِ ذاتِ يَدي فيهِ اتّساعٌ للعَفْوِ حينَ جَنـى
فهَذِهِ قصّتـي وقـصّـتُـه فانْظُرْ إلَيْنا وبينَنـا ولَـنـا

فلمّا وعَى القاضي قَصَصهُما. وتبيّنَ خَصاصَتَهُما وتخَصُّصَهُما. أبرَزَ لهُما ديناراً منْ تحْتِ مُصَلاُّه. وقال لهُما: اقْطَعا بهِ الخِصامَ وافِصلاهُ. فتلقّفَهُ الشيخُ دونَ الحدَثِ. واستَخلَصَهُ على وجهِ الجِدِّ لا العبَثِ. وقال للحدَثِ: نِصْفُه لي بسَهْمِ مَبَرّتي. وسهْمُكَ لي عنْ أرْشِ إبْرَتي. ولستُ عنِ الحقّ أميلُ. فقُمْ وخُذِ الميلَ. فعَرا الحدَثَ لما حدثَ اكتِئابٌ. واكفَهَرّ على سَمائِهِ سَحابٌ. وجَمَ لهُ القاضي. وهيّجَ أسَفَهُ على الدّينارِ الماضي. إلا أنّهُ جبَرَ بالَ الفتَى وبَلْبالَهُ. بدُرَيْهِماتٍ رضَخَ بها له. وقال لهُما: اجْتَنِبا المُعامَلاتِ. وادْرآ المُخاصَماتِ. ولا تحْضُراني في المُحاكَماتِ. فما عِندي كيسُ الغَراماتِ. فنَهَضا منْ عِنْدِه. فرِحَينَ برِفْدِه. مُفصِحَينِ بحَمدِه. والقاضي ما يخْبو ضجَرُهُ. مُذْ بضَّ حجَرُهُ. ولا ينْصُلُ كمدُه. مُذْ رشَحَ جَلمَدُهُ. حتى إذا أفاقَ منْ غشيَتِه. أقبلَ على غاشِيَتِه. وقال: قدْ أُشرِبَ حِسّي. ونبّزني حدْسي. أنهُما صاحِبا دَهاء. لا خَصْما ادّعاء. فكيفَ السّبيلُ الى سبرِهِما. واستِنْباطِ سرّهِما? فقال له نِحْريرُ زُمرَتِه. وشِرارَةُ جَمرَتِه: إنّه لنْ يتِمّ استِخراجُ خَبْئِهِما. إلا بهِما. فقَفّاهُما عَوْناً يُرْجِعُهُما إليْهِ. فلمّا مَثَلا بينَ يدَيهِ. قالَ لهُما: اصْدُقاني سِنّ بَكْرِكُما. ولكُما الأمانُ منْ تبِعَةِ مَكْرِكُما. فأحْجَمَ الحدَثُ واسْتقالَ. وأقدَمَ الشيخُ وقال:
أنا السَّروجـيُّ وهـذا ولَـدي والشّبْلُ في المَخْبَرِ مثلُ الأسَدِ
ومـا تـعــدّتْ يدُهُ ولا يَدي في إبرَةٍ يوْماً ولا في مِـرْوَدِ
وإنّما الدهرُ المُسيءُ المُعْتَـدي مالَ بِنا حتى غدَوْناً نجْـتَـدي
كلَّ نَدي الرّاحةِ عذْبِ المَـوْرِدِ وكلَّ جعْدِ الكفّ مغْلولَ الـيَدِ
بكُلّ فنٍ وبـكـلّ مـقْـصَـدِ بالجِدّ إنْ أجْـدَى وإلاّ بـالـدَّدِ
لنَجلِبَ الرّشْحَ الى الحظّ الصّدي ونُنْفِدَ العُمْرَ بـعـيشٍ أنْـكَـدِ
والموتُ منْ بعْدُ لَنا بالمَرصَـدِ إنْ لمْ يُفاجِ اليومَ فاجَى في غَدِ
فقال لهُ القاضي: للهِ دَرُّكَ فما أعذَبَ نفَثاتِ فيكَ. وواهاً لكَ لوْلا خِداعٌ فيكَ! وإني لكَ لمِنَ المُنْذِرِينَ. وعليْكَ منَ الحَذِرينَ. فلا تُماكِرْ بعْدَها الحاكِمينَ. واتّقِ سَطْوَةَ المُتحكّمينَ. فما كُلّ مُسيْطِرٍ يُقيلُ. ولا كُلّ أوانٍ يُسْمَعُ القِيلُ. فعاهَدَهُ الشيخُ على اتّباعِ مَشورَتِه. والارْتِداعِ عن تلْبيسِ صورتِهِ. وفصَلَ عن جِهتِهِ. والختْرُ يلمَعُ من جبهتِهِ. قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فلمْ أرَ أعجَبَ منْها في تصاريفِ الأسْفارِ. ولا قرَأتُ مِثلَه في تصانيفِ الأسْفارِ.
المتيم
المتيم
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 10135
نقاط : 39783
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 37
الموقع : عيون من أحب

https://eyesloveclub.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقامات الحريري Empty رد: مقامات الحريري

مُساهمة من طرف المتيم الثلاثاء يونيو 01, 2010 12:16 am

المقامة الرّحبيّة

حكى الحارثُ بنُ هَمّامٍ قال: هتَفَ بي داعي الشّوْقِ. الى رَحبَةِ مالِكِ بن طَوْقٍ. فلبّيتُهُ مُمتَطِياً شِمِلّةً. ومُنتَضياً عَزْمَةً مُشمَعِلّةً. فلمّا ألقيتُ به المَراشي. وشدَدْتُ أمراسي. وبرَزْتُ منَ الحَمّام بعدَ سبتِ راسي. رأيتُ غُلاماً أُفرِغَ في قالَبِ الجَمالِ. وأُلبِسَ من الحُسنِ حُلّةَ الكَمال. وقدِ اعْتَلَقَ شيخٌ برُدْنِهِ. يدّعي أنّهُ فتَك بابنِه. والغُلامُ يُنكِرُ عِرفَتَهُ. ويُكْبِرُ قِرفَتهُ. والخِصامُ بينَهُما مُتطايِرُ الشَّرارِ. والزِّحامُ عليهِما يجمَعُ بين الأخيارِ والأشرارِ. الى أن تَراضَيا بعْد اشتِطاطِ اللّدَد. بالتّنافُرِ الى والي البلَدِ. وكان ممّن يُزَنّ بالهَناتِ. ويغلِّبُ حُبَّ البَنين على البَناتِ. فأسْرَعا الى ندْوَتِه. كالسُّلَيْكِ في عَدْوَتِه. فلمّا حضَراه. جدّدَ الشيخُ دعْواهُ. واستَدْعى عدْواهُ. فاستَنطَقَ الغُلامَ وقدْ فتَنَهُ بمحاسِنِ غُرّتِه. وطَرَّ عقلَهُ بتصْفيفِ طُرّتِهِ. فقالَ: إنّه أفيكَةُ أفّاكٍ. علِ غيرِ سفّاكٍ! وعَضيهَةُ مُحْتالٍ. على منْ ليس بمُغْتالٍ. فقال الوالي للشّيخ: إنْ شهِدَ لكَ عدْلانِ منَ المُسلِمين. وإلا فاسْتَوْفِ منهُ اليَمينَ. فقال الشيخُ: إنّهُ جدّلَهُ خسياً. وأفاحَ دمَهُ خالِياً. فأنّى لي شاهِدٌ. ولم يكُنْ ثَمّ مُشاهِدٌ? ولكِنْ ولّني تلْقينَهُ اليَمينَ. ليَبينَ لكَ أيصْدُقُ أم يَمينُ? فقال لهُ: أنتَ المالِك لذلك. معَ وجْدِكَ المُتَهالِك. على ابنِكِ الهالِك. فقال الشيخُ للغُلام: قُلْ والذي زيّن الجِباهَ بالطُّرَرِ. والعُيونَ بالحَوَرِ. والحَواجِبَ بالبَلَجِ. والمباسمَ بالفلَجِ. والجُفونَ بالسّقَمِ. والأنوفَ بالشّمَمِ. والخُدودَ باللّهَبِ. والثّغورَ بالشّنَبِ. والبَنانَ بالتّرَفِ. والخُصورَ بالهيَفِ. إنّني ما قتَلْتُ ابْنَكَ سهْواً ولا عمْداً. ولا جعلْتُ هامَتَهُ لسَيْفي غِمْداً. وإلا فرَمى اللهُ جَفْني بالعمَشِ. وخدّي بالنّمَشِ. وطُرّتي بالجلَحِ. وطَلْعي بالبَلَحِ. ووَرْدَتي بالبَهارِ. ومِسْكَتي بالبُخارِ. وبَدْري بالمُحاقِ. وفِضّتي بالاحْتِراقِ. وشُعاعي بالإظْلامِ. ودَواتي بالأقْلامِ. فقالَ الغُلامُ: الاصْطِلاءَ بالبَليّةِ. ولا الإيلاءَ بهذِه الألِيّةِ. والانقِيادَ للقَوَدِ. ولا الحَلِفَ بما لمْ يحلِفْ بهِ أحدٌ. وأبى الشيخُ إلا تجْريعَهُ اليَمينَ التي اخترَعَها. وأمْقَرَ لهُ جُرَعَها. ولم يزَلِ التّلاحي بينَهُما يستَعِرُ. ومَحجّةُ التّراضي تعِرُ. والغُلامُ في ضِمْنِ تأبّيهِ. يخْلُبُ قلْبَ الوالي بتلوّيهِ. ويُطْمِعُهُ في أنْ يلبّيهِ. الى أن رانَ هَواهُ على قلْبِهِ. وألَبّ بلُبّهِ. فسوّلَ لهُ الوجدُ الذي تيّمَهُ. والطّمَعُ الذي توَهّمَهُ. أنْ يُخلّصَ الغُلامَ ويستخلِصَهُ. وأن يُنقِذَهُ من حِبالَةِ الشيخِ ثمّ يقتَنِصَهُ. فقال للشيخِ: هلْ لكَ فيما هوَ ألْيَقُ بالأقْوى. وأقرَبُ للتّقْوى? فقالَ: إلمَ تُشيرُ لأقْتَفيهِ. ولا أقِفُ لكَ فيهِ. فقال: أرى أنْ تُقصِرَ عنِ القِيلِ والقالِ. وتقتَصِرَ منهُ على مئَةِ مِثْقالٍ. لأتحمّلَ منْها بعْضاً. وأجْتَبي الباقيَ لكَ عُرْضاً. فقالَ الشيخُ: ما مِني خِلافٌ. فلا يكُنْ لوعدِكَ إخْلافٌ. فنقَدَهُ الوالي عِشرينَ. ووزّعَ على وزَعَتِه تكْمِلَةَ خمْسينَ. ورقّ ثوْبُ الأصيلِ. وانقطَعَ لأجْلِهِ صوْبُ التّحصيلِ. فقالَ: خُذْ ما راجَ. ودَعْ عنْكَ اللّجاجَ. وعليّ في غدٍ أنْ أتوصّلَ. الى أن ينِضّ لكَ الباقي ويتحصّلَ. فقال الشيخُ: أقْبَلُ منْكَ على أنْ ألازمَهُ ليْلَتي. ويرْعاهُ إنْسانُ مُقلَتي. حتى إذا أعْفى بعْدَ إسْفارِ الصّبحِ. بِما بَقيَ منْ مالِ الصّلْحِ. تخلّصَتْ قائِبَةٌ من قُوبٍ. وبَرِئَ بَراءةَ الذّئْبِ منْ دمِ ابنِ يعْقوبَ. فقالَ لهُ الوالي: ما أُراكَ سفمْتَ شَططاً. ولا رُمْتَ فرَطاً. قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فلمّا رأيتُ حُجَجَ الشيخِ كالحُجَجِ السُرَيجيّةِ. علِمتُ أنه علَمُ السَّروجيّةِ. فلبِثْتُ الى أن زهَرَتْ نُجوم الظّلام. وانتَثَرتْ عُقودُ الزّحامِ. ثمّ قصَدْتُ فِناء الوالي. فإذا الشيخُ للفتى كالي. فنَشَدْتُه اللهَ أهُوَ أبو زيدٍ? فقال: أيْ ومُحِلّ الصّيدِ. فقُلتُ: مَنْ هذا الغُلامُ. الذي هفَتْ لهُ الأحْلامُ? قال: هوَ في النسبِ فرْخي. وفي
المكتَسَبِ فخّي! قلت: فهَلاّ اكتفَيْتَ بمَحاسِنِ فِطرَتِه. وكفَيتَ الواليَ الافتِتان بطُرّتِه? فقال: لوْ لمْ تُبرِزْ جبْهَتُهُ السّينَ. لَما قنْفَشْتُ الخمسينَ. ثمّ قال: بِتِ الليلَةَ عِندي لنُطْفئ نارَ الجَوى. ونُديلَ الهَوى. من النّوى. فقدْ أجْمَعْتُ على أنْ أنْسَلّ بسُحرَةٍ. وأُصْليَ قلبَ الوالي نارَ حسْرَةٍ! قال: فقَضَيتُ الليلةَ معَهُ في سمَرٍ. آنَقَ منْ حَديقَةِ زهَرٍ. وخَميلةِ شجَرٍ. حتى إذا لألأ الأفُقَ ذنَبُ السِّرْحانِ. وآنَ انبِلاجُ الفجْرِ وحانَ. ركِبَ متْنَ الطّريقِ. وأذاقَ الوالي عذابَ الحريقِ. وسلّمَ إليّ ساعَة الفِراقِ. رُقعَةً مُحكمَةَ الإلْصاقِ. وقال: ادْفَعْها الى الوالي إذا سُلِبَ القَرار. وتحقّقَ منّا الفِرارَ. ففضَضْتُها فِعْلَ المتملّسِ. منْ مِثلِ صحيفَةِ المتلمّسِ. فإذا فيها مكتوبٌ:مكتَسَبِ فخّي! قلت: فهَلاّ اكتفَيْتَ بمَحاسِنِ فِطرَتِه. وكفَيتَ الواليَ الافتِتان بطُرّتِه? فقال: لوْ لمْ تُبرِزْ جبْهَتُهُ السّينَ. لَما قنْفَشْتُ الخمسينَ. ثمّ قال: بِتِ الليلَةَ عِندي لنُطْفئ نارَ الجَوى. ونُديلَ الهَوى. من النّوى. فقدْ أجْمَعْتُ على أنْ أنْسَلّ بسُحرَةٍ. وأُصْليَ قلبَ الوالي نارَ حسْرَةٍ! قال: فقَضَيتُ الليلةَ معَهُ في سمَرٍ. آنَقَ منْ حَديقَةِ زهَرٍ. وخَميلةِ شجَرٍ. حتى إذا لألأ الأفُقَ ذنَبُ السِّرْحانِ. وآنَ انبِلاجُ الفجْرِ وحانَ. ركِبَ متْنَ الطّريقِ. وأذاقَ الوالي عذابَ الحريقِ. وسلّمَ إليّ ساعَة الفِراقِ. رُقعَةً مُحكمَةَ الإلْصاقِ. وقال: ادْفَعْها الى الوالي إذا سُلِبَ القَرار. وتحقّقَ منّا الفِرارَ. ففضَضْتُها فِعْلَ المتملّسِ. منْ مِثلِ صحيفَةِ المتلمّسِ. فإذا فيها مكتوبٌ:
قُلْ لوالٍ غادَرْتُـه بـعْـدَ بـيْنـي سادِمـاً نـادِمـاً يعَـضّ الـيَدَيْنِ
سلَـبَ الـشـيخُ مـالـهُ وفـتـاهُ لُبَّهُ فاصْطَلى لَظـى حـسْـرَتَـيْنِ
جادَ بالعينِ حـينَ أعـمـى هـواهُ عينَهُ فـانْـثَـنـى بِـلا عـينَـينِ
خفِّضِ الحُزنَ يا مُعَنّـى فـمـا يُجْ دي طِلابُ الآثارِ من بعـدِ عَـينِ
ولَئِنْ جَـلّ مـا عَـراكَ كـمـا ج لّ لدى المُسلِمينَ رُزْءُ الحُـسـينِ
فقَدِ اعتَضْتَ منهُ فَهمـاً وحـزْمـاً والـلّـبـيبُ الأريبُ يبْـغـيَ ذَينِ
فاعصِ من بعدها المَطامعَ واعلَـمْ أنّ صيْدَ الظّـبـاء لـيس بـهَـينِ
لا ولا كُـلّ طـائِرٍ يلِـجُ الـفَـخّ ولوْ كانَ مُحـدَقـاً بـالـلُـجَـينِ
ولَكَمْ مَنْ سعى ليَصْطادَ فاصْـطـي دَ ولك يلْقَ غيرَ خُـفّـي حُـنـينِ
فتبـصّـرْ ولا تـشِـمْ كـلّ بـرْقٍ رُبّ برْقٍ فيهِ صـواعِـقُ حَـينِ
واغضُضِ الطّرْفَ تسترحْ من غرامٍ تكتَسـي فـيهِ ثـوْبَ ذُلٍ وشَـينِ
فبَلاءُ الفتى اتّبـاعُ هـوَى الـنّـف سِ وبذْرُ الهَوى طُمـوحُ الـعـينِ
قال الرّاوي: فمزّقتُ رُقعتَهُ شذَرَ مذَرَ. ولمْ أُبَلْ أعَذَلَ أم عذَرَ.
المتيم
المتيم
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 10135
نقاط : 39783
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 37
الموقع : عيون من أحب

https://eyesloveclub.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقامات الحريري Empty رد: مقامات الحريري

مُساهمة من طرف المتيم الأحد يوليو 04, 2010 10:52 pm

المقامة السّاويّة

حدّثَ الحارثُ بنُ همّامٍ قال: آنَسْتُ منْ قلْبي القَساوَةَ. حينَ حللْتُ ساوَةَ. فأخذْتُ بالخبَرِ المأثورِ. في مُداواتِها بزِيارَةِ القُبورِ. فلمّا صِرْتُ الى محلّةِ الأمْواتِ. وكِفاتِ الرُفاتِ. رأيتُ جمْعاً على قبْرٍ يُحْفَرُ. ومجْنوزٍ يُقبَرُ. فانْحَزْتُ إليْهِمْ متفكّراً في المآلِ. متذكّراً مَنْ درجَ منَ الآلِ. فلما ألحَدوا المَيْتَ. وفاتَ قوْلُ لَيْتَ. أشرفَ شيخٌ من رُباوَةٍ. متخصّراً بهِراوَةٍ. وقدْ لفّعَ وجهَه برِدائِهِ. ونكّر شخْصَهُ لدَهائِهِ. فقال: لمِثْلِ هذا فلْيَعْمَلِ العامِلونَ. فادّكِروا أيّها الغافِلونَ. وشمِّروا أيّها المقَصّرونَ. وأحْسِنوا النّظَرَ أيه المتبصّرونَ! ما لكُمْ لا يَحْزُنُكمْ دفْنُ الأتْرابِ. ولا يهولُكُمْ هيْلُ التّرابِ? ولا تعْبأونَ بنَوازِلِ الأحْداثِ. ولا تستَعِدّونَ لنُزولِ الأجْداثِ? ولا تستعْبِرونَ لعَينٍ تدْمَعُ. ولا تعتَبرونَ بنَعْيٍ يُسمَعُ? ولا ترْتاعونَ لإلْفٍ يُفقَدُ. ولا تلْتاعونَ لمناحَةٍ تُعْقَدُ? يشيِّعُ أحدُكُمْ نعْشَ الميْتِ. وقلْبُهُ تِلْقاءَ البيتِ. ويشهَدُ مُواراةَ نسيبِه. وفِكْرُهُ في استِخْلاصِ نصيبِه. ويُخَلّي بينَ وَدودِه ودُودِه. ثمّ يخْلو بمِزْمارِهِ وعودِهِ. طالَما أسِيتُمْ على انْثِلامِ الحَبّةِ. وتناسَيتُمُ اخْتِرامَ الأحبّةِ. واستَكَنْتُمْ لاعتِراضِ العُسرةِ. واستَهَنْتُمْ بانقِراضِ الأُسرَةِ. وضحِكْتُمْ عندَ الدّفْنِ. ولا ضحِكَكُمْ ساعةَ الزَّفْنِ. وتبخْتَرْتُمْ خلفَ الجنائِزِ. ولا تبخْتُرَكُمْ يومَ قبْضِ الجوائِزِ. وأعْرَضْتُمْ عنْ تعْديدِ النّوادِبِ. الى إعْدادِ المآدِبِ. وعنْ تحرُّقِ الثّواكِلِ. الى التّأنُّقِ في المآكِلِ. لا تُبالونَ بمَنْ هوَ بالٍ. ولا تُخْطِرونَ ذِكرَ الموتِ ببالٍ. حتى كأنّكُمْ قد علِقتُمْ منَ الحِمامِ. بذِمامٍ. أو حصَلْتُمْ منَ الزّمانِ. على أمانٍ. أو وثِقْتُمْ بسلامةِ الذّاتِ. أو تحقّقْتُمْ مُسالَمَة هادِمِ اللّذّاتِ. كَلاّ ساء ما تتوهّمونَ. ثمّ كلاّ سوفَ تعلَمونَ! ثمّ أنشدَ:
أيا مَن يدّعي الفَـهْـمْ الى كمْ يا أخا الوَهْـمْ
تُعبّي الـذّنْـبَ والـذمّ وتُخْطي الخَطأ الجَـمّ
أمَا بانَ لـكَ الـعـيْبْ أمَا أنْـذرَكَ الـشّـيبْ
وما في نُصحِـهِ ريْبْ ولا سمْعُكَ قـدْ صـمّ
أمَا نادَى بكَ الـمـوتْ أمَا أسْمَعَك الصّـوْتْ
أما تخشَى من الفَـوْتْ فتَحْـتـاطَ وتـهـتـمْ
فكمْ تسدَرُ في السهْـوْ وتختالُ من الـزهْـوْ
وتنْصَبُّ الى الـلّـهـوْ كأنّ الموتَ مـا عَـمّ
وحَـتّـام تَـجـافـيكْ وإبْـطـاءُ تـلافـيكْ
طِباعاً جمْعـتْ فـيكْ عُيوباً شمْلُها انْـضَـمّ
إذا أسخَطْـتَ مـوْلاكْ فَما تقْلَـقُ مـنْ ذاكْ
وإنْ أخفَقَ مسـعـاكْ تلظّيتَ مـنَ الـهـمّ
وإنْ لاحَ لكَ النّـقـشْ منَ الأصفَرِ تهـتَـشّ
وإن مرّ بك النّـعـشْ تغامَـمْـتَ ولا غـمّ
تُعاصي النّاصِحَ البَـرّ وتعْـتـاصُ وتَـزْوَرّ
وتنْقـادُ لـمَـنْ غَـرّ ومنْ مانَ ومـنْ نَـمّ
وتسعى في هَوى النّفسْ وتحْتالُ على الفَـلْـسْ
وتنسَى ظُلمةَ الرّمـسْ ولا تَـذكُـرُ مـا ثَـمّ
ولوْ لاحظَـكَ الـحـظّ لما طاحَ بكَ اللّـحْـظْ
ولا كُنتَ إذا الـوَعـظْ جَلا الأحزانَ تغْـتَـمّ
ستُذْري الدّمَ لا الدّمْـعْ إذا عايَنْتَ لا جـمْـعْ
يَقي في عَرصَةِ الجمعْ ولا خـالَ ولا عــمّ
كأني بـكَ تـنـحـطّ الى اللحْدِ وتـنْـغـطّ
وقد أسلمَك الـرّهـطْ الى أضيَقَ مـنْ سـمّ
هُناك الجسمُ مـمـدودْ ليستـأكِـلَـهُ الـدّودْ
الى أن ينخَرَ الـعـودْ ويُمسي العظمُ قـد رمّ
ومنْ بـعْـدُ فـلا بُـدّ منَ العرْضِ إذا اعتُـدّ
صِراطٌ جَـسْـرُهُ مُـدّ على النارِ لـمَـنْ أمّ
فكمْ من مُرشـدٍ ضـلّ ومـنْ ذي عِـزةٍ ذَلّ
وكم مـن عـالِـمٍ زلّ وقال الخطْبُ قد طـمّ
فبادِرْ أيّها الـغُـمْـرْ لِما يحْلو بـهِ الـمُـرّ
فقد كادَ يهي العُـمـرْ وما أقلعْـتَ عـن ذمّ
ولا ترْكَنْ الى الدهـرْ وإنْ لانَ وإن ســرّ
فتُلْفى كمـنْ اغـتَـرّ بأفعى تنفُـثُ الـسـمّ
وخفّضْ منْ تـراقـيكْ فإنّ المـوتَ لاقِـيكْ
وسارٍ فـي تـراقـيكْ وما ينـكُـلُ إنْ هـمّ
وجانِبْ صعَرَ الـخـدّ إذا ساعـدَكَ الـجـدّ
وزُمّ اللـفْـظَ إنْ نـدّ فَما أسـعَـدَ مَـنْ زمّ
ونفِّسْ عن أخي البـثّ وصـدّقْـهُ إذا نــثّ
ورُمّ العـمَـلَ الـرثّ فقد أفـلـحَ مَـنْ رمّ
ورِشْ مَن ريشُهُ انحصّ بما عمّ ومـا خـصّ
ولا تأسَ على النّقـصْ ولا تحرِصْ على اللَّمّ
وعادِ الخُلُـقَ الـرّذْلْ وعوّدْ كفّـكَ الـبـذْلْ
ولا تستمِـعِ الـعـذلْ ونزّهْها عنِ الـضـمّ
وزوّدْ نفسَكَ الـخـيرْ ودعْ ما يُعقِبُ الضّـيرْ
وهيّئ مركبَ الـسّـيرْ وخَفْ منْ لُـجّةِ الـيمّ
بِذا أُوصـيتُ يا صـاحْ وقد بُحتُ كمَـن بـاحْ
فطوبى لـفـتًـى راحْ بآدابـــيَ يأتَـــمّ
ثمّ حسرَ رُدنَهُ عن ساعِدٍ شديدِ الأسْرِ. قد شدّ علَيهِ جبائِرَ المكْرِ لا الكسْرِ. متعرّضاً للاستِماحةِ. في مِعرَضِ الوقاحَةِ. فاختلَبَ بهِ أولئِكَ المَلا. حتى أتْرَعَ كُمّهُ ومَلا. ثمّ انحدَرَ من الرّبوةِ. جذِلاً بالحَبوةِ. قال الراوي: فجاذَبْتُه منْ وَرائِهِ. حاشيَةَ رِدائِهِ. فالتَفَتَ إليّ مُستسلِماً. وواجهَني مُسلِّماً. فإذا هوَ شيخُنا أبو زيدٍ بعينِه. ومَينِهِ. فقلتُ له:
الى كمْ يا أبا زيدْ أفانينُكَ في الكيدْ
ليَنحاشَ لكَ الصيدْ ولا تعْبا بمَنْ ذمّ
فأجابَ من غيرِ استِحْياء. ولا ارْتِياء. وقال:
تبصّـرْ ودعِ الـلـوْمْ وقُلْ لي هل تَرى اليومْ
فتًى لا يقمُـرُ الـقـومْ متى ما دَسـتُـهُ تـمّ
فقلتُ لهُ: بُعداً لك يا شيخَ النّارِ. وزامِلَةَ العارِ! فَما مَثلُكَ في طُلاوَةِ علانِيَتِك. وخُبثِ نيّتِك. إلا مثَلُ رَوْثٍ مفضَّضٍ. أو كَنيفٍ مبيَّضٍ. ثمّ تفرّقْنا فانطلَقْتُ ذاتَ اليَمين وانطلقَ ذات الشِّمالِ. وناوَحْتُ مهَبّ الجَنوبِ وناوحَ مهبّ الشَّمالِ.
المتيم
المتيم
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 10135
نقاط : 39783
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 37
الموقع : عيون من أحب

https://eyesloveclub.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقامات الحريري Empty رد: مقامات الحريري

مُساهمة من طرف المتيم الجمعة يوليو 09, 2010 7:00 pm

المقامة الدّمشقيّة

حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: شخصْتُ منَ العِراقِ الى الغوطَةِ. وأنا ذو جُرْدٍ مربوطةٍ. وجِدَةٍ مغْبوطَةٍ. يُلْهِيني خُلوُّ الذَّرْعِ. ويزْدَهيني حُفولُ الضّرْعِ. فلمّا بلغْتُها بعدَ شقّ النفْسِ. وإنْضاء العنْسِ. ألفَيتُها كما تصِفُها الألسُنُ. وفيها ما تشتَهي الأنفُسُ وتلَذّ الأعيُنُ. فشكرْتُ يدَ النّوى. وجرَيْتُ طلَقاً مع الهَوى. وطفِقْتُ أفُضّ خُتومَ الشّهَواتِ. وأجْتَني قُطوفَ اللّذّاتِ. الى أن شرعَ سفرٌ في الإعْراقِ. وقدِ استفَقْتُ منَ الإغْراقِ. فعادَني عيدٌ منْ تَذْكارِ الوطَنِ. والحَنينِ الى العطَنِ. فقوّضْتُ خِيامَ الغَيبَةِ. وأسرَجْتُ جَوادَ الأوبَةِ. ولمّا تأهّبَتِ الرّفاقُ. واستتبّ الاتّفاقُ. ألَحْنا منَ المسيرِ. دونَ استِصْحابِ الخَفيرِ. فرُدْناهُ منْ كلّ قَبيلة. وأعْمَلنا في تحصيلِه ألفَ حيلةٍ. فأعْوَزَ وِجْدانُه في الأحياء، حتى خلنا أنه ليس من الأحياء مخارت لعوزه عُزومُ السيّارَةِ. وانْتَدَوْا ببابِ جَيْرونَ للاستِشارَةِ. فما زالوا بينَ عَقدٍ وحلٍّ. وشزَرٍ وسحْلٍ. الى أن نفِدَ التّناجي. وقنَطَ الرّاجي. وكان حِذَتَهُمْ شخْصٌ مِيسَمُهُ ميسَمُ الشبّانِ. ولَبوسُهُ لَبوسُ الرّهبانِ. وبيَدِه سُبْحَةُ النّسْوانِ. وفي عينِهِ ترجمَةُ النّشوانِ. وقد قيّدَ لحظَهُ بالجَمْعِ. وأرهَفَ أذُنَهُ لاستِراقِ السّمْعِ. فلمّا أنى انْكِفاؤهُمْ. وقد برحَ لهُ خَفاؤهُمْ. قال لهُمْ: يا قومُ ليُفرِخْ كرْبُكُمْ. وليَأمَنْ سِرْبُكُمْ. فسأخْفُرُكُمْ بما يسْرو روْعَكُمْ. ويبدو طوعَكُمْ. قال الرّاوي: فاستَطْلَعنا منهُ طِلْعَ الخِفارَةِ. وأسْنَينا لهُ الجَعالَةَ عنِ السِّفارةِ. فزعَم أنّها كلِماتٌ لُقّنَها في المَنامِ. ليحتَرِسَ بها منْ كيْدِ الأنامِ. فجعَلَ بعْضُنا يومِضُ الى بعْضٍ. ويقلّبُ طرْفَيْهِ بينَ لحْظٍ وغضٍّ. وتبيّنَ لهُ أنّا استَضْعَفنا الخبَرَ. واستَشْعَرْنا الخَوَرَ. فقال: ما بالُكُمُ اتّخذْتُمْ جِدّي عبثاً. وجعلتُمْ تِبري خَبَثاً? ولَطالَما واللهِ جُبْتُ مَخاوِفَ الأقْطارِ. وولجْتُ مَقاحِمَ الأخْطارِ. فغَنيتُ بها عنْ مُصاحبَةِ خَفيرٍ. واستِصْحابِ جَفيرٍ. ثمّ إني سأنْفي ما رابَكُمْ. وأستَسِلُّ الحذَرَ الذي نابَكُمْ. بأنْ أُوافِقَكُمْ في البَداوةِ. وأرافِقَكُمْ في السّماوَةِ. فإنْ صدقَكُمْ وعْدي. فأجِدّوا سعْدي. وأسْعِدوا جِدّي. وإنْ كذبَكمْ فَمي. فمزّقوا أدَمي. وأرِيقوا دَمي. قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فأُلْهِمْنا تصْديقَ رؤياهُ. وتحْقيقَ ما رَواهُ. فنزَعْنا عن مُجادَلَتِه. واستَهَمْنا على مُعادلَتِه. وفصَمْنا بقوْلِهِ عُرى الرّبائِثِ. وألغَيْنا اتّقاءَ العابِثِ والعائِثِ. ولمّا عُكِمَتِ الرّحالُ. وأزِفَ التّرْحالُ. استَنزَلْنا كلِماتِهِ الرّاقيةَ. لنجْعَلَها الواقيَةَ الباقيَةَ. فقال: ليقْرأ كُلٌ منكُمْ أمَّ القُرآنِ. كلّما أظَلَّ الملَوانِ. ثمّ ليَقُلْ بلِسانٍ خاضعٍ. وصوْتٍ خاشِعٍ: اللهُمّ يا مُحْيي الرُفاتِ. ويا دافِعَ الآفاتِ. ويا واقيَ المخافاتِ. ويا كريمَ المُكافاةِ. ويا موئِلَ العُفاةِ. ويا وليّ العفْوِ والمُعافاةِ. صلّ على محمّدٍ خاتِمِ أنبِيائِكَ. ومبلِّغ أنبائِكَ. وعلى مصابيحِ أسرتِه. ومفاتيحِ نُصرتِه. وأعِذْني منْ نزَغاتِ الشياطينِ. ونَزواتِ السّلاطينِ. وإعْناتِ الباغينَ. ومُعاناةِ الطّاغينَ. ومُعاداةِ العادينَ. وعُدْوانِ المُعادينَ. وغلَبِ الغالِبينَ. وسلَبِ السّالِبينَ. وحِيَلِ المُحْتالينَ. وغِيَلِ المُغْتالينَ. وأجِرْني اللهُمّ منْ جَوْرِ المُجاوِرينَ. ومُجاوَرَةِ الجائِرينَ. وكُفّ عني أكُفّ الضّائِمِينَ. وأخرِجْني منْ ظُلُماتِ الظّالمينَ. وأدْخِلْني برحْمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحينَ. اللهُمّ حُطْني في تُرْبَتي. وغُرْبَتي. وغيْبَتي. وأوبَتي. ونُجْعَتي. ورجْعَتي. وتصرُّفي. ومُنصَرَفي. وتقلّبي. ومُنقلَبي. واحْفَظْني في نفْسي. ونفائِسي. وعِرْضي. وعرَضي. وعدَدي. وعُدَدي. وسكَني. ومسْكَني. وحَوْلي. وحالي. وملي. ومآلي. ولا تُلحِقْ بي تغييراً. ولا تُسلّطْ عليّ مُغيراً. واجْعَلْ لي منْ لدُنْكَ سُلطاناً نَصيراً. اللهُمّ احرُسْني بعينِك. وعونِكَ. واخْصُصْني بأمنِكَ. ومنّكَ. وتولّني باختِيارِكَ وخيرِكَ. ولا تكِلْني الى كِلاءَةِ غيرِك.

وهَبْ لي عافيَةً غيرَ عافِيَةٍ. وارْزُقْني رَفاهيَةً غيرَ واهيَةٍ. واكْفِني مَخاشيَ اللأوَاء. واكْنُفْني بغواشي الآلاء. ولا تُظْفِرْ بي أظفارَ الأعْداء. إنّك سميعُ الدُعاء. ثمّ أطرَقَ لا يُديرُ لحْظاً. ولا يُحيرُ لفْظاً. حتى قُلْنا: قد أبلَسَتْهُ خشيةٌ. أو أخرَسَتْهُ غشيَةٌ. ثمّ أقنعَ رأسَهُ. وصعّدَ أنفاسَهُ. وقال: أُقسِمُ بالسّماء ذاتِ الأبراجِ. والأرضِ ذاتِ الفِجاجِ. والماءِ الثَّجّاجِ. والسّراجِ الوهّاجِ. والبحْرِ العجّاجِ. والهواءِ والعَجاجِ. إنّها لَمِنْ أيمَنِ العُوَذِ. وأغْنى عنكُمْ منْ لابِسي الخُوَذِ. مَنْ درَسها عندَ ابتِسامِ الفلَقِ. لم يُشفِقْ منْ خطْبٍ الى الشّفَقِ. ومنْ ناجَى بها طَليعَةَ الغسَقِ. أمِنَ ليلَتَهُ منَ السّرَقِ. قال: فتلقّنّاها حتى أتْقَنّاها. وتدارَسْناها لكيْ لا ننْساها. ثمّ سِرْنا نُزْجي الحَمولاتِ. بالدّعَواتِ لا بالحُداةِ. ونحْمي الحُمولاتِ. بالكَلِماتِ لا بالكُماةِ. وصاحِبُنا يتعَهّدُنا بالعَشيّ والغداةِ. ولا يستَنْجِزُ منّا العِداتِ. حتى إذا عايَنّا أطْلالَ عانَةَ. قال لنا: الإعانَةَ الإعانةَ! فأحْضَرْناهُ المَعْلومَ والمكتومَ. وأرَيْناهُ المعْكومَ والمخْتومَ. وقُلْنا لهُ: اقْضِ ما أنتَ قاضٍ. فما تجِدُ فينا غيرَ راضٍ. فما استَخفّهُ سِوى الخِفّ والزَّينِ. ولا حَلِيَ بعينِهِ غيرُ الحَلْيِ والعَينِ. فاحتَمَل منهُما وِقْرَهُ. وناءَ بما يسُدّ فَقْرَهُ. ثمّ خالَسَنا مُخالَسَةَ الطّرّارِ. وانْصلَتَ منّا انصِلاتَ الفَرّارِ. فأوحَشَنا فِراقُهُ. وأدْهَشَنا امتِراقُهُ. ولمْ نزَلْ ننْشُدُهُ بكلّ نادٍ. ونستَخْبِرُ عنهُ كلَّ مُغوٍ وهادٍ. الى أن قيل: إنّه مُذْ دخَل عانَةَ. ما زايلَ الحانةَ. فأغْراني خُبْثُ هذا القولِ بسَبكِهِ. والانسِلاكِ فيما لستُ منْ سِلْكِه. فادّلَجْتُ الى الدّسكَرَةِ. في هيئةٍ منكّرَةٍ. فإذا الشيخُ في حُلّةٍ ممصّرَةٍ. بينَ دِنانٍ ومِعصَرَةٍ. وحولَهُ سُقاةٌ تبهَرُ. وشُموعٌ تزْهَرُ وآسٌ وعبْهَرٌ. ومِزْمارٌ ومِزْهَرٌ. وهوَ تارةً يستَبْزِلُ الدِّنانَ. وطَوْراً يستَنطِقُ العِيدانَ. ودَفعةً يستنشِقُ الرَّيْحانَ. وأخرَى يغازِلُ الغِزْلانَ. فلمّا عثرْتُ على لَبْسِهِ. وتفاوُتِ يومِهِ منْ أمْسِه. قلتُ: أوْلى لكَ يا ملْعونُ. أأُنسيتَ يومَ جَيْرونَ? فضحِكَ مُستَغرِباً. ثم أنشدَ مُطَرِّباً:بْ لي عافيَةً غيرَ عافِيَةٍ. وارْزُقْني رَفاهيَةً غيرَ واهيَةٍ. واكْفِني مَخاشيَ اللأوَاء. واكْنُفْني بغواشي الآلاء. ولا تُظْفِرْ بي أظفارَ الأعْداء. إنّك سميعُ الدُعاء. ثمّ أطرَقَ لا يُديرُ لحْظاً. ولا يُحيرُ لفْظاً. حتى قُلْنا: قد أبلَسَتْهُ خشيةٌ. أو أخرَسَتْهُ غشيَةٌ. ثمّ أقنعَ رأسَهُ. وصعّدَ أنفاسَهُ. وقال: أُقسِمُ بالسّماء ذاتِ الأبراجِ. والأرضِ ذاتِ الفِجاجِ. والماءِ الثَّجّاجِ. والسّراجِ الوهّاجِ. والبحْرِ العجّاجِ. والهواءِ والعَجاجِ. إنّها لَمِنْ أيمَنِ العُوَذِ. وأغْنى عنكُمْ منْ لابِسي الخُوَذِ. مَنْ درَسها عندَ ابتِسامِ الفلَقِ. لم يُشفِقْ منْ خطْبٍ الى الشّفَقِ. ومنْ ناجَى بها طَليعَةَ الغسَقِ. أمِنَ ليلَتَهُ منَ السّرَقِ. قال: فتلقّنّاها حتى أتْقَنّاها. وتدارَسْناها لكيْ لا ننْساها. ثمّ سِرْنا نُزْجي الحَمولاتِ. بالدّعَواتِ لا بالحُداةِ. ونحْمي الحُمولاتِ. بالكَلِماتِ لا بالكُماةِ. وصاحِبُنا يتعَهّدُنا بالعَشيّ والغداةِ. ولا يستَنْجِزُ منّا العِداتِ. حتى إذا عايَنّا أطْلالَ عانَةَ. قال لنا: الإعانَةَ الإعانةَ! فأحْضَرْناهُ المَعْلومَ والمكتومَ. وأرَيْناهُ المعْكومَ والمخْتومَ. وقُلْنا لهُ: اقْضِ ما أنتَ قاضٍ. فما تجِدُ فينا غيرَ راضٍ. فما استَخفّهُ سِوى الخِفّ والزَّينِ. ولا حَلِيَ بعينِهِ غيرُ الحَلْيِ والعَينِ. فاحتَمَل منهُما وِقْرَهُ. وناءَ بما يسُدّ فَقْرَهُ. ثمّ خالَسَنا مُخالَسَةَ الطّرّارِ. وانْصلَتَ منّا انصِلاتَ الفَرّارِ. فأوحَشَنا فِراقُهُ. وأدْهَشَنا امتِراقُهُ. ولمْ نزَلْ ننْشُدُهُ بكلّ نادٍ. ونستَخْبِرُ عنهُ كلَّ مُغوٍ وهادٍ. الى أن قيل: إنّه مُذْ دخَل عانَةَ. ما زايلَ الحانةَ. فأغْراني خُبْثُ هذا القولِ بسَبكِهِ. والانسِلاكِ فيما لستُ منْ سِلْكِه. فادّلَجْتُ الى الدّسكَرَةِ. في هيئةٍ منكّرَةٍ. فإذا الشيخُ في حُلّةٍ ممصّرَةٍ. بينَ دِنانٍ ومِعصَرَةٍ. وحولَهُ سُقاةٌ تبهَرُ. وشُموعٌ تزْهَرُ وآسٌ وعبْهَرٌ. ومِزْمارٌ ومِزْهَرٌ. وهوَ تارةً يستَبْزِلُ الدِّنانَ. وطَوْراً يستَنطِقُ العِيدانَ. ودَفعةً يستنشِقُ الرَّيْحانَ. وأخرَى يغازِلُ الغِزْلانَ. فلمّا عثرْتُ على لَبْسِهِ. وتفاوُتِ يومِهِ منْ أمْسِه. قلتُ: أوْلى لكَ يا ملْعونُ. أأُنسيتَ يومَ جَيْرونَ? فضحِكَ مُستَغرِباً. ثم أنشدَ مُطَرِّباً:
لزِمتُ السِّفارَ وجُبتُ القِـفـارَ وعِفْتُ النِّفارَ لأجْني الـفـرَحْ
وخُضتُ السّيولَ ورُضتُ الخيولَ لجَرّ ذُيولِ الصّبى والـمَـرَحْ
ومِطتُ الوَقارَ وبعْتُ العَـقـارَ لحَسْوِ العُقارِ ورشْفِ الـقـدَحْ
ولولا الطِّماحُ الى شُـربِ راحٍ لما كانَ باحَ فَمي بالـمُـلَـحْ
ولا كان ساقَ دَهائي الـرّفـاقَ لأرضِ العِراقِ بحمْلِ السُّبَـحْ
فلا تغضَبَنّ ولا تـصـخَـبَـنّ ولا تعتُبَنّ فـعُـذْري وضَـحْ
ولا تعـجَـبَـنّ لـشـيْخٍ أبَـنّ بمغْنًـى أغَـنّ ودَنٍّ طـفَـحْ
فإنّ المُدامَ تُقـوّي الـعِـظـامَ وتَشْفي السَّقامَ وتنْفي الـتّـرَحْ
وأصْفى السّرورِ إذا ما الوَقـورُ أماطَ سُتورَ الـحَـيا واطّـرَحْ
وأحْلى الغَرام إذا المُسـتـهـامَ أزالَ اكتِتامَ الهَوى وافتـضَـحْ
فبُحْ بهَـواكَ وبـرّدْ حَـشـاكَ فزَنْـدُ أسـاكَ بـهِ قـدْ قـدَحْ
وداوِ الكُلومَ وسـلِّ الـهُـمـومَ ببِنْتِ الكُروم التي تُـقـتـرَحْ
وخُصّ الغَبوقَ بسـاقٍ يسـوقُ بَلاءَ المَشوقِ إذا مـا طـمَـحْ
وشادٍ يُشـيدُ بـصـوتٍ تَـمـيدُ جِبالُ الحـديدِ لـهُ إنْ صـدَحْ
وعاصِ النّصيحَ الـذي لا يُبـيحُ وِصالَ المليحِ إذا مـا سـمَـحْ
وجُلْ في المِحالِ ولوْ بالمُحـالِ ودعْ ما يُقالُ وخُذْ ما صـلَـحْ
وفـارِقْ أبـاكَ إذا مـا أبـاكَ ومُدَّ الشّباكَ وصِدْ مَنْ سـنَـحْ
وصافِ الخَليلَ ونافِ البَـخـيلَ وأوْلِ الجَميلَ ووالِ الـمِـنَـحْ
ولُذْ بالمَتـابِ أمـام الـذّهـابِ فمَنْ دقّ بـابَ كـريمٍ فـتَـحْ
فقلتُ لهُ: بَخٍ بخٍ لرِوايتِكَ. وأُفٍّ وتُفٍّ لغَوايَتِكَ! فباللهِ منْ أيّ الأعياصِ عِيصُكَ. فقدْ أعضَلَني عَويصُكَ? فقال: ما أحبُّ أنْ أُفصحَ عنّي. ولكِنْ سأُكَنّي:
أنا أُطـروفَةُ الـزّمـا نِ وأعجـوبَةُ الأُمَـمْ
وأنا الحُـوَّلُ الـذي احْ تالَ في العُرْبِ والعجَمْ
غيرَ أنّي ابـنُ حـاجَةٍ هاضَهُ الدّهرُ فاهتضَمْ
وأبـو صِـبـيَةٍ بـدَوْا مثلَ لحْمٍ على وضَـمْ
وأخو العَيلَةِ المُـعـي لُ إذا احْتالَ لـمْ يُلَـمْ
قال الرّاوي: فعرفتُ حينَئِذٍ أنّه أبو زيدٍ ذو الرّيبِ والعيْبِ. ومُسوِّدُ وجْهِ الشّيْبِ. وساءني عِظَمُ تمرّدِهِ. وقُبْحُ تورّدِهِ. فقلتُ لهُ بلِسانِ الأنَفَةِ. وإدْلالِ المعرِفَةِ: ألمْ يأنِ لكَ يا شيخَنا. أنْ تُقلِعَ عنِ الخَنا? فتضَجّرَ وزمْجَرَ. وتنكّرَ وفكّرَ. ثمّ قال: إنّها ليلَةُ مِراحٍ لا تَلاحٍ. ونُهْزَةُ شُرْبِ راحٍ لا كِفاحٍ. فعَدِّ عمّا بَدا. الى أنْ نتَلاقَى غَدا. ففارَقْتُه فرَقاً منْ عربَدَتِه. لا تعلُّقاً بعِدّتِه. وبِتُّ ليلَتي لابِساً حِدادَ النّدَمِ. على نقْلي خُطَى القدَمِ. الى ابنَةِ الكرْمِ لا الكرَمِ. وعاهدْتُ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى أن لا أحضُر بعدَها حانَةَ نَبّاذٍ. ولو أُعطيتُ مُلكَ بغداذٍ. وأنْ لا أشهدَ معصَرَةَ الشّرابِ. ولو رُدّ عليّ عصْرُ الشّبابِ. ثمّ إنّنا رحّلْنا العِيسَ. وقتَ التّغليسِ. وخلّيْنا بينَ الشيّخَينِ أبي زيدٍ وإبليسَ.
المتيم
المتيم
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 10135
نقاط : 39783
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 37
الموقع : عيون من أحب

https://eyesloveclub.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مقامات الحريري Empty رد: مقامات الحريري

مُساهمة من طرف المتيم الأحد سبتمبر 12, 2010 11:11 am

المقامة البغدادية

رَوى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: ندَوْتُ بضَواحي الزّوْراء. معَ مشيخَةٍ منَ الشّعراء. لا يعْلَقُ لهُمْ مُبارٍ بغُبارٍ. ولا يجْري معهُمْ مُمارٍ في مِضْمارٍ. فأفَضْنا في حديثٍ يفضَحُ الأزهارَ. الى أنْ نصَفْنا النّهارَ. فلمّا غاضَ دَرُّ الأفْكارِ. وصبَتِ النّفوسُ الى الأوْكارِ. لمحْنا عجوزاً تُقبِلُ منَ البُعْدِ. وتُحضِرُ إحْضارَ الجُرْدِ. وقدِ استَتْلَتْ صِبيَةً أنحَفَ منَ المَغازِلِ. وأضعَفَ منَ الجَوازِلِ. فما كذّبَتْ إذ رأتْنا. أن عرَتْنا. حتى إذا ما حضرَتْنا. قالت: حيّا اللهُ المَعارِفَ. وإنْ لم يكُنّ معارِفَ. إعلَموا يا مآلَ الآمِلِ. وثِمالَ الأرامِل. أنّي منْ سرَواتِ القَبائِلِ. وسَريّاتِ العقائِلِ. لمْ يزَلْ أهلي وبعْلي يحُلّونَ الصّدْرَ. ويَسيرونَ القلْبَ. ويُمْطونَ الظّهْرَ. ويولونَ اليَدَ. فلمّا أرْدَى الدّهرُ الأعْضادَ. وفجعَ بالجَوارِحِ الأكْبادَ. وانقلَبَ ظهْراً لبَطْنٍ. نَبا النّاظِرُ. وجَفا الحاجِبُ. وذهبَتِ العينُ. وفُقِدَتِ الرّاحةُ. وصلَدَ الزَّنْدُ. ووَهَنتِ اليَمينُ. وضاعَ اليَسارُ. وبانَتِ المَرافِقُ. ولم يبْقَ لنا ثَنيّةٌ ولا نابٌ. فمُذُ اغْبرّ العيشُ الأخضَرُ. وازْوَرّ المحْبوبُ الأصفَرُ. اسوَدّ يوْمي الأبيضُ. وابيَضّ فَوْدي الأسوَدُ. حتى رثَى ليَ العدوّ الأزرَقُ. فحبّذا الموتُ الأحمَرُ! وتِلْوِي مَنْ ترَوْنَ عينُهُ فُرارُهُ. وترْجُمانُهُ اصْفِرارُهُ. قُصْوى بِغيَةِ أحدِهِمْ ثُرْدَةٌ. وقُصارَى أمْنِيّتِه بُردَةٌ. وكنتُ آلَيتُ أنْ لا أبذُلَ الحُرّ. إلا للحُرّ. ولوْ أني مُتُّ منَ الضُرّ. وقد ناجَتْني القَرونَةُ. بأنْ توجَدَ عندَكُمُ المَعونَةُ. وآذنَتْني فِراسَةُ الحوْباء. بأنّكُمْ ينابيعُ الحِباء. فنضّرَ اللهُ امرأً أبَرّ قسَمي. وصدّقَ توسُّمي. ونظَرَ إليّ بعَينٍ يُقذيها الجُمودُ. ويُقذّيها الجودُ. قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فهِمْنا لبَراعَةِ عِبارَتِها. ومُلَحِ استِعارَتِها. وقُلْنا لها: قد فتَنَ كلامُكِ. فكيفَ إلحامُكِ? فقالتْ: أفجّرُ الصّخْرَ. ولا فخْرَ! فقُلْنا: إن جعلْتِنا منْ رُواتِكِ. لم نبْخَلْ بمؤاساتِكِ. فقالت: لأُريَنّكُمْ أوّلاً شِعاري. ثمّ لأرَوّيَنّكُمْ أشْعاري. فأبرَزَتْ رُدْنَ دِرْعٍ دَريسٍ. وبرَزَتْ بِرْزةَ عجوزٍ درْدَبيسٍ. وأنْشأتْ تقول:
أشكو الى اللهِ اشتِكاءَ الـمـريضْ ريْبَ الزّمانِ المتعدّي البَـغـيضْ
يا قومُ إني مـنْ أُنـاسٍ غَـنُـوا دهراً وجفنُ الدهرِ عنهُمْ غَضيضْ
فخـارُهُـمْ لـيسَ لـهُ دافِــعٌ وصيتُهُمْ بينَ الوَرى مُستَـفـيضْ
كانوا إذا مـا نُـجـعَةٌ أعـوزَتْ في السّنةِ الشّهباء روْضاً أرِيضْ
تُشَبّ لـلـسّـارينَ نـيرانُـهُـمْ ويُطعِمون الضّيفَ لحْماً غَريضْ
ما باتَ جـارٌ لـهُـمُ سـاغِـبـاً ولا لرَوْعٍ قال حالَ الـجَـريضْ
فغيّضَتْ منهُمْ صُـروفُ الـرّدى بِحارَ جودٍ لمْ نخَلْـهـا تَـغـيضْ
وأُودِعَتْ منهُمْ بُطـونُ الـثّـرى أُسْدَ التّحامي وأُساةَ الـمَـريضْ
فمحْمَلي بعْدَ المطـايا الـمـطـا وموطِني بعْدَ اليفاعِ الحضـيضْ
وأفرُخي ما تأتَلـي تـشـتَـكـي بؤساً لهُ فـي كـلّ يومٍ ومـيضْ
إذا دَعا الـقـانِـتُ فـي لـيلِـهِ موْلاهُ نـادَوْهُ بـدمْـعٍ يَفــيضْ
يا رازِقَ النّعّـابِ فـي عُـشّـهِ وجابِرَ العظْمِ الكَسيرِ المَـهـيضْ
أتِحْ لنا اللـهُـمّ مَـنْ عِـرضُـهُ منْ دنَسِ الذّمّ نـقـيٌ رحـيضْ
يُطفِئ نارَ الجـوعِ عـنّـا ولـوْ بمَذْقَةٍ منْ حـاِرزٍ أو مَـخـيضْ
فهلْ فتًى يكشِـفُ مـا نـابَـهُـمْ ويغنَمُ الشّكْرَ الطّويلَ الـعـريضْ
فوالّذي تعْنـو الـنّـواصـي لـهُ يومَ وجوهُ الجمعِ سـودٌ وبـيضْ
لولاهُمُ لمْ تـبْـدُ لـي صـفـحَةٌ ولا تصدّيْتُ لنَظْـمِ الـقَـريضْ

قال الرّاوي: فوَاللهِ لقدْ صدّعتْ بأبياتِها أعْشارَ القُلوبِ. واستخْرَجَتْ خَبايا الجُيوبِ. حتى ماحَها مَنْ دينُهُ الامْتِناحُ. وارْتاحَ لرِفدِها مَنْ لمْ نخَلْهُ يرْتاحُ. فلمّا افْعَوْعَمَ جَيبُها تِبْراً. وأوْلاها كلٌ مِنّا بِرّاً. تولّتْ يتْلوها الأصاغِرُ. وفُوها بالشّكْرِ فاغرٌ. فاشْرَأبّتِ الجَماعةُ بعْدَ مَمَرّها. الى سبْرِها لتَبْلوَ مواقِعَ بِرّها. فكفَلْتُ لهُمْ باستِنْباطِ السرّ المرْموزِ. ونهضْتُ أقْفو أثرَ العَجوزِ. حتى انتهَتْ الى سوقٍ مُغتَصّةٍ بالأنام. مُختصّةٍ بالزّحامِ. فانغَمَسَتْ في الغُمارِ. وامّلَسَتْ منَ الصّبْيَةِ الأغْمارِ. ثمّ عاجَتْ بخُلُوّ بالٍ. الى مسجِدٍ خالٍ. فأماطَتِ الجِلْبابَ. ونضَتِ النّقابَ. وأنا ألمَحُها منْ خَصاصِ البابِ. وأرقُبُ ما ستُبْدي منَ العُجابِ. فلمّا انسرَتْ أُهبَةُ الخفَرِ. رأيتُ مُحَيّا أبي زيدٍ قد سفَرَ. فهمَمْتُ أن أهْجُمَ عليْهِ. لأعنّفَهُ على ما أجْرى إليْهِ. فاسْلَنْقَى اسلِنْقاءَ المتمرّدينَ. ثمّ رفَعَ عَقيرةَ المغرّدينَ. واندفَعَ يُنشِدُ:
يا لَيتَ شِعري أدَهْـري أحاطَ عِلْمـاً بـقَـدْري
وهلْ دَرَي كُنْهَ غـوْري في الخَدْع أم ليس يدْري
كمْ قدْ قمَـرْتُ بَـنـيهِ بحيلَتـي وبـمَـكْـري
وكمْ بـرزَتْ بـعُـرْفٍ علـيهِـمِ وبِـنُـكْـرِ
أصْطادُ قوْماً بـوَعْـظٍ وآخـرينَ بـشِـعْـرِ
وأسـتـفِـزُّ بـخَــلٍّ عقْلاً وعَقْلاً بخَـمْـرِ
وتـارَةً أنـا صـخْـرٌ وتارَةً أُختُ صـخْـرِ
ولوْ سلَـكْـتُ سَـبـيلاً مألوفَةً طولَ عُمـري
لَخابَ قِدْحي وقَـدْحـي ودامَ عُسْري وخُسْـري
فقُـلْ لـمَـنْ لامَ هـذا عُذري فدونَكَ عُـذري
قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فلمّا ظهرْتُ على جليّةِ أمرِهِ. وبَديعَةِ أمْرِهِ. وما زخْرَفَ في شِعرِه منْ عُذرِهِ. علِمْتُ أنّ شيطانَهُ المَريدَ. لا يسمَعُ التّفْنيدَ. ولا يفعَلُ إلا ما يُريدُ. فثنَيْتُ الى أصحابي عِناني. وأبثَثْتُهُمْ ما أثبتَهُ عِياني. فوجَموا لضَيْعَةِ الجوائِزِ. وتعاهَدوا على محرَمَةِ العَجائِزِ.
المتيم
المتيم
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 10135
نقاط : 39783
السٌّمعَة : 4
تاريخ التسجيل : 11/04/2010
العمر : 37
الموقع : عيون من أحب

https://eyesloveclub.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى